شيماء الكرخي- صحيفة المواطن/بيروت/ العاشر من آذار 2009 

حميد الكفائي رجل يحمل البساطة والتواضع، التقينا به في معهد العراق للدراسات الإستراتيجية في بيروت حيث كان يلقي محاضرات في الاعلام واهميته ومعاييره وأسسه وكيف يمكن النهوض بالإعلام العراقي كي يكون مساهما في عملية التطوير والبناء الثقافي والاقتصادي الجارية في العراق. وبعد الانتهاء من المحاضرة طلبنا منة اجراء لقاء صحفي. اعتذر في البداية لكنه عندما علم بانني اعمل في صحيفة المواطن وافق على الفور، على الرغم من ضيق وقته وكثرة مواعيده. قال لي إنه ليس لديه مانع لكنه لم يحدد موعدا لأن مواعيده كانت كثيرة. وفي إحدى الأمسيات، وبينما كنا جالسين في صالة الاستقبال في الفندق الذي نقيم فيه ببيروت، دخل علينا الكفائي وأبدى استعداده للاجابة على اسئلتنا.

كان سؤالنا الاول من هو حميد الكفائي؟ فاجاب قائلا بأبتسامة جميلة: انا لا اتحدث عن نفسي لذلك أعتذر عن الإجابة على هذا السؤال. عندئذ غيرنا طبيعة السؤال وسألناه عن سجله المهني فاجابنا قائلا:

لقد دخلت الاعلام من باب الاقتصاد فقد درست الاقتصاد في أكثر من جامعة بريطانية وبدأت العمل ككاتب ومراسل اقتصادي في بعض الصحف والمجلات. ثم انتقلت للعمل في الاذاعة في مطلع التسعينات، وبعدها انتقلت للعمل في التلفزيون. وبعد سقوط النظام عدت الى العراق لأساهم مع زملاء آخرين في تأسيس شبكة الاعلام العراقي التي كنا نطمح أن تكون على غرار البي بي سي لكن هذا الطموح كان كبيرا على مايبدو إذ لم تسمح الظروف السياسية والأمنية بذلك. بعد ذلك غادرت الشبكة لأواصل مشروع الإعلام الحر في العراق الذي كنت قد بدأت العمل فيه في لندن قبل سقوط النظام. وقد ساهمت في تنظيم مؤتمر أثينا للإعلام الدولي الذي شارك فيه 75 خبيرا إعلاميا وقانونيا من مختلف بلدان العالم. وكان لي شرف المساهمة في تنظيم وادارة المؤتمر. وقد كنت أحد الذين كتبوا وثيقة اثينا للإعلام الحر والتي لاتزال تحمل اسمي إلى جانب الدكتور مايكل فاولر، الأستاذ في القانون، والأستاذ جورج بابايانس، مدير وكالة إنترنيوز الدولية للتطوير الإعلامي. وهذة الوثيقة وضعت الاسس للاعلام الحر في العراق وقد تبناها كل من مجلس الحكم وسلطة الإئتلاف المؤقتة وعلى اساسها صدر قانونا شبكة الاعلام العراقي وهيئة الاتصالات والإعلام.

*اين وجد الكفائي نفسه خلال هذة الفترة الطويلة في مسيرة الاعلام؟

في الحقيقة كنت سعيدا في كل الوظائف التي توليتها من كاتب إلى مراسل إلى مدير وناطق، وعندما أشعر أن هناك مجالا أفضل للعمل انتقل إليه ومن هنا فقد كنت سعيدا في كل مرحلة من مراحل العمل الإعلامي. وفي هذا الأطار لابد من الإشارة إلى أنني مدين الى مؤسسة البي بي سي البريطانية فهي مدرسة حقيقية في الإعلام ولها الفضل الكبير في تدريبي وتعليمي الكثير من المهارات الاعلامية وكذلك أنا مدين لصحيفة الحياة التي كتبت فيها لأكثر من 15 عاما، منذ مطلع التسعينيات وحتى الآن، وفي كل المجالات من الاقتصاد إلى الثقافة والسياسة… التطور في مجال الإعلام يأتي تدريجيا كما هو الحال في المجالات الأخرى… ولكن اساس النجاح هو اتقان اللغة وبعدها تاتي المهارات الأخرى كتعلم كيفية صياغة الخبر والإلقاء وإجراء المقابلات ومراعاة التوزان وباقي المعايير الإعلامية المتبعة في وسائل الإعلام الحرة. نجاح الاعلامي يعتمد على قاعدته المعرفية واللغوية القوية والواسعة أولا، وبعد هذا تأتي قدرته على تطبيق مبادئ الاعلام واصوله ومعاييره كالحيادية والتوازن والدقة والإنصاف وغيرها.

*برأيك هل الأفضل أن يتخصص الصحفي في مجال معين أم يبقى شاملا؟

- الصحفي هو شخص موسوعي وعلى الصحفي الناجح ان يوسع من معارفه في كل الاتجاهات لأنه سيحتاج لتغطية كل الأحداث، لكن التخصص يضيف للصحفي اهمية من حيث أنه يتمكن من إقناع المتلقي بدقة معلوماته وسعة إطلاعه بإعتباره يمتلك اهتماما واسعا في مجال معين. لكن هذا لايمنعه من العمل في مجالات اخرى ولايشترط في الاختصاص ان يكون نتيجة دراسة أكاديمية بل يكفي الاهتمام والاطلاع والمتابعة الشخصية. التخصص أصبح مهما في الكثير من المؤسسات الإعلامية الحديثة وهو في كثير من الأحيان يأتي دون تخطيط فلكل منا اهتماماته التي يطورها في نهاية المطاف إلى اختصاص…

*الاعلام بمفهومه العام اتصال وتواصل مع الجماهير ونجاحه يعتمد على تكوين علاقات جيدة مع الآخرين فهل ساعدتكم علاقاتكم في تحقيق النجاح الإعلامي؟

_ بالتاكيد ـ وكل اعلامي يعتمد في عمله على قدرته في الوصول إلى المعلومة والعلاقات والثقة المتبادلة التي يبنيها مع الشخصيات السياسية والثقافية والفنية تمكنه من تحقيق هدفه أو أنها على الأقل تسهل عمله كثيرا. هذه العلاقات مهمة جدا لأنها تسهل الحصول على المعلومة الدقيقة والصحيحة التي يبحث عنها المتلقي. من الضروري ان يكون للصحفي خزين واسع من أرقام الهواتف وعناوين البريد الالكتروني ولكن هذه الأمور أصبحت متوفرة بسهولة بفضل تطور طرق الاتصالات…

*بإعتقادكم هل تغير الاعلام العراقي بعد سقوط النظام وهل هذا التغيير هو سلبي ام ايجابي؟

بالتأكيد… لقد حصل تغيير هائل في الإعلام بعد سقوط النظام فالتعددية والحرية والتنافس التي نراها الآن هي صفات إيجابية دون شك. ولكن في الوقت نفسه أنا قلق جدا من هيمنة وكثرة الاعلام الحزبي في العراق لأنه يوجه الناس بأتجاه معين قد لا يكون صحيحا وهذا لا يخدم المصلحة العامة ولا يساهم في تطور البلد. مع هذا فأنا أرى أن الإعلام الحزبي المنحاز هو في طريقه الى التلاشي والاختفاء بمرور الزمن وهذا مارأيناه في بلدان ديمقراطية اخرى.

* بماذا تفكر حاليا وهل لديك أمنية تريد تحقيقها في مجال الإعلام؟

لقد سعيت لإنشاء معهد للتدريب الإعلامي لأنني أعتقد أن هناك ضرورة لمثل هذه المؤسسة لتساعد في رفد الإعلام العراقي بالمهارات والخبرات. مثل هذه المؤسسة تساهم في إعداد وتنظيم دورات إعلامية لتنمية قدرات الصحفيين العراقيين وزيادة كفاءتهم، كذلك فإنها تساهم في خلق نوع من التواصل بين الاعلاميين بمختلف خبراتهم وقدراتهم وأماكن عملهم. الاعلام في تطور مستمر وأساليبه وممارساته ووسائله تختلف من جيل الى جيل وهناك ضرورة للتواصل بين الأجيال الإعلامية كي تستفيد من بعضها البعض. ولو كنت بموقع يمكنني من تنفيذ مشروع لقمت بإنشاء مثل هذا المعهد الذي تقام فيه دورات تدريبية من الطراز الاول وقد سعيت لهذا من قبل ولكن الظروف المادية وقفت عائقا امام المشروع الذي كان سيخدم العديد من الصحفيين. اتمنى أن يقوم شخص أو مؤسسة ما بأنشاء هذا المعهد في العراق وأن توكل مهمة إدارته والإشراف عليه لأساتذة وخبراء في الإعلام.

*كيف تصفون ظاهرة أصدار الصحف اليومية؟

-الصحف المطبوعة بشكل عام، يومية أم أسبوعية، في طريقها إلى التلاشي إذ حلت الصحف الأليكترونية محلها. لم يعد الناس ينتظرون حتى الغد كي يعرفوا أخبار اليوم بل بإمكانهم متابعة الأخبار والآراء والتطورات أولا بأول. أعتقد أن الصحف المطبوعة ستبقى معنا لفترة من الزمن لكن دورها آخذ في الانحسار دون شك .في نهاية المطاف، القارئ هو الذي يقرر وجود واستمرار صدور الصحف، هذا إن أفترضنا ان التمويل يأتي من القراء، اما أذا كان التمويل من جهة أخرى كما هو الحاصل في العديد من الصحف، فإن وجودها يعتمد على مدى حاجة الممول لاستمرار الصحيفة. أتمنى من الجهات السياسية الداعمة للصحف ألا تتدخل بمواضيع الصحفيين وان تفسح المجال للمهنية والموضوعية في صحفهم لأنها ستضمن متابعة القراء لها.

*كلمة اخيرة نختم بها لقاءنا

أشكركم جزيل الشكر على هذه الفرصة واتمنى لكم التوفيق والتالق والازدهار وخدمة المواطن العراقي فأنتم جريدة تحملون اسم المواطن وعليكم قبل غيركم خدمته من خلال الموضوعية والحياد والإنصاف والدقة في الأخبار.