هل الكووتا النسائية أفضل الوسائل المتاحة لخدمة قضايا المرأة؟ 

مجلة نون تموز 2011

 لا أخفي أنني كنت من أوائل المؤيدين لوجود نوع من التمييز الإيجابي لصالح المرأة كي تكون حاضرة في المناصب السياسية التشريعية منها والتنفيذية، عبر ما يعرف حاليا بالكووتا النسائية، إلا أن هذا الامتياز الذي حصلت عليه المرأة لا يخلو من إشكالات وهو في كل الأحوال لم يُستغل لصالح المرأة بل استخدمته الأحزاب السياسية للإتيان بالنساء التابعات لسياساتها وفي أحيان كثيرة غير المؤهلات.

هذه الحصة النسائية غير موجودة في معظم الدول الديمقراطية، لكنها موجودة ضمن دساتير وسياسات بعض الأحزاب كحزب العمال البريطاني، كإجراء اختياري يميزه عن الأحزاب الأخرى. وقد التزم الحزب منذ تولي بلير زعامته في منتصف التسعينيات حتى الآن بتقديم مرشحات بنسبة 50% من مجموع مرشحيه إلى الانتخابات النيابية، وقد ساهمت هذه السياسة في ارتفاع مشاركة المرأة في الانتخابات البريطانية ورفعت من شعبية الحزب كثيرا، إذ تمكن من الفوز في الانتخابات لثلاث دورات متتالية، لأول مرة في تاريخه الطويل الذي يمتد لقرن من الزمن.

ولا ننسى أن الحزب قد مال كثيرا إلى اليمين منذ تولي بلير زعامته، والنساء في بريطانيا بشكل خاص يملن إلى المحافظة منها إلى الليبرالية واليسارية، لذلك فإن ميل حزب العمال إلى اليمين قد استقطب الكثير من النساء، خصوصا مع وجود مرشحات قادرات على تمثيل قضايا المرأة في البرلمان ووزارات الدولة.

يجب الاعتراف أن الكووتا، مهما كان نوعها ومها كانت أهدافها نبيلة وإنسانية، هي نوع من أنواع التمييز الذي يطلق عليه عادة بالتمييز الإيجابي لتجميله وتفريقه عن التمييز الذي له صفة سلبية في العادة. الحصة النسائية هي بالتأكيد ذات أهداف نبيلة لأنها تهدف لمساعدة المرأة في أن تلعب دورا أكبر في قيادة المجتمع الذي قد لا يحبذ تولي المرأة مناصب عليا في الظروف الطبيعية. لكنها في الوقت نفسه تتعارض مع المبادئ الديمقراطية لأنها عادة ما تأتي بالمرشح الأقل شعبية إلى البرلمان أو المنصب مع وجود الأكثر شعبية منه، مع الاعتراف أن مشاركة المرأة في الشؤون العامة، عبر الكووتا أو غيرها، هو أمر في غاية الأهمية وقد ساهم في خدمة المجتمع والنساء بشكل خاص، إذ شجعهن على الانخراط في السياسة والسعي لتولي المواقع القيادية.

المشكلة التي نواجهها في العراق أن القانون يفرض على الأحزاب أن تأتي بنساء إلى البرلمان وينص على أن تكون نسبة النساء بين أعضاء البرلمان 25% كحد أدنى حتى وإن لم يكنّ قد فزن بجدارة على نظرائهن الرجال، أو حتى على منافساتهن النساء من القوائم الأخرى غير الفائزة. قانون الانتخابات الحالي يسمح للمرأة المنتمية إلى كتلة فائزة أن تصل إلى البرلمان حتى لو كانت هناك إمرأة أخرى من كتلة غير فائزة تفوقها بعدد الأصوات، وذلك لأن القانون ينص على أن يكون ربع الأعضاء من النساء.

بل هو يسمح أن يأتي أي مرشح إلى البرلمان مع وجود مرشح آخر حائز على أصوات أعلى منه. وهناك إشكال كبير في هذا القانون لأنه يتعارض في الحقيقة مع المبادئ الديمقراطية المنصوص عليها في المادة 2 الفقرة ب من الدستور، وهناك حاجة ملحة لتعديله كي يكون متسقا مع المبادئ الديمقراطية التي تحتم أن يكون الفائز في الانتخابات ممن تفوق على منافسيه في عدد الأصوات، وليس من يختلف معه في الجنس أو الانتماء السياسي.

 

بالإمكان دعم ترشيح النساء إلى البرلمان والمناصب القيادية في الدولة عبر قوانين أخرى منسجمة مع الديمقراطية والدستور، كأن يفرض على الأحزاب أن تقدم مرشحات مؤهلات للإنتخابات بنسبة 50% ضمن قوائمها الانتخابية ولكن دون تحديد نسبة معينة للنساء في البرلمان لأن مثل هذه النسبة قد توصل من لم يحظين بالحد الأدنى للتأييد الشعبي، وهؤلاء لن يستطعن حتى لو حاولن أن يمثلن المرأة لأنهن غير مدينات للناخبين بالوصول إلى مواقعهن الجديدة. مثل هذا القانون لو قدر له أن يرى النور، سوف يضطر الأحزاب إلى الاتيان بالأكفأ من النساء كي يجتذبن أكبر عدد من الأصوات ويتفوقن على أقرانهن من المرشحين والمرشحات من الأحزاب الأخرى، لا أن يؤتى بأتباع وأقارب القادة من أجل الايفاء بشروط القانون الانتخابي دون أن يساهم ذلك بتحسين واقع النساء في العراق.

القانون الحالي يفترض أنه ليس هناك نساء يحظين بالتأييد الشعبي اللازم كي يصلن إلى البرلمان، وهذا افتراض خاطئ، حتى مع الاعتراف بوجود تمييز ضد المرأة في المجتمع. يجب أن تشعر المرأة التي تصل إلى المواقع القيادية بأنها وصلت إليها بجدارة ووفقا للمنافسة الديمقراطية، وبذلك تكون متساوية فعلا مع الرجل ولم يؤتَ بها لمجرد الالتزام بقانون الكووتا النسائية أو لأنها تابعة لهاذ الحزب أو ذاك أو لأنها قريبة من هذا السياسي أو ذاك.

بالإمكان أيضا إنشاء مؤسسات تدعمها الدولة تهدف لتعزيز دور المرأة ودعم طموحها في التميز والابداع. هناك طاقات نسائية كبيرة في العراق بإمكانها أن تفوز في الانتخابات بجدارة لو توفر لها الدعم ووسائل الفوز من دعاية وفرص إعلامية. هناك آلاف النساء العراقيات المتعلمات والقديرات على تولي أعلى المناصب، فالعراقيات كن في طليعة المجتمع منذ تأسيس الدولة العراقية حتى الآن، ويسجل للعراق أن أول وزيرة في العالم العربي كانت عراقية وهي المرحومة نزيهة الدليمي التي شاركت في حكومة المرحوم عبد الكريم قاسم.

قبل أيام بث التلفزيون القطري فلما قصيرا عن إمرأة عراقية شابة تطمح لأن تكون رئيسة للوزراء في المستقبل، وهي الآنسة بان الدليمي التي أكملت تحصيلها العلمي في العلوم السياسية وحصلت على شهادة الماجستير. إن مجرد أن تفكر المرأة بأنها قادرة على بلوغ المناصب العليا هو أمر في غاية الأهمية بالنسبة للمجتمع العراقي الذي عليه أن يستعد لدور أكبر وأهم للمرأة في المستقبل، عبر استحقاق وجدارة وليس الفرض بالقوة كما هو الحال الآن. مرة أخرى يجب التأكيد على أهمية مشاركة المرأة بنسبة 50% في إدارة الدولة باعتبارها نصف المجتمع، وليس بنسبة 25% المفروضة حاليا بقوة القانون.

   حميد الكفائي