لندن: معد فياض- الشرق الأوسط
فسر الناطق الرسمي باسم مجلس الحكم الانتقالي في العراق حميد الكفائي حال الاضطراب والعنف في بلاده بالقول «النظام السابق كان كابوسا مسلطا على رؤوس الجميع وعندما سقط برزت كل الفئات والطوائف والحركات السياسية والكل يريد ان يكون له مكان ودور، وهذا من حق الجميع، ولكن في هذه المرحلة يجب على الجميع ان يتناسوا هذه القضية وينظروا الى مستقبل العراق». وأشار الى وجود نحو 250 صحيفة ومجلة وأكثر من عشرين محطة اذاعة وتلفزيون تتمتع بالحرية الكاملة في النشاط والتعبير عن الآراء، وأكد عدم وجود نية لدى مجلس الحكم بفرض الرقابة على الاعلام والثقافة. 

وتحدث الكفائي في لقاء مع «الشرق الأوسط» اجري اثناء زيارته مؤخرا عن تجربته كأول متحدث رسمي باسم مجلس الحكم والحكومة العراقية، واصفا مهمته بانها «صعبة ومعقدة كوني اعبر عن آراء 25 عضوا وليس عن رأيي الشخصي ويجب ان ادافع عن قرارات المجلس حتى وان كانت لا تتوافق مع آرائي الشخصية»، ولفت الى انه يعمل كل شهر مع رئيس جديد للمجلس، معتبرا ان تجربة مجلس الحكم «برهنت على نجاحها وأكدت ان العراقيين قادرون على الاتفاق».

* هذه اول مرة يكون فيها ناطق رسمي باسم سلطات الحكم في العراق، كيف وجدت هذه التجربة؟

ـ واجب الناطق ان ينقل سياسة المجلس او الحكومة وليست الآراء المختلفة، وقد تكون لبعض الاعضاء في مجلس الحكم آراء متباينة عن السياسة بصورة عامة ولكن هذا ليس شأني، أنا اتحدث باسم المجلس وانقل آراءه وسياسته للجماهير والاعلام. انها تجربة جديدة وصعبة في نفس الوقت لأنه يجب ان تكون منتبها وحذرا حتى لا تغضب بعض الاطراف، خاصة ان مجلسنا يتكون من 25 عضوا وهؤلاء يمثلون اتجاهات وآراء مختلفة فمن الصعب جدا ان يتفقوا على سياسة او على رأي محدد، ولكن عندما يتفق المجلس على رأي معين عندها سيكون هذا رأيي انا، سأتبنى هذا الرأي، الاعضاء او الوزراء قد تكون لهم آراء اخرى، انا التزم الرأي الذي يتفق عليه اعضاء المجلس، واحيانا تتخذ قرارات بالأغلبية وليس بالاجماع، 15 مقابل 10 مثلا، يبقى هذا قرار المجلس وانا امثل القرار او الرأي الذي تتفق عليه الاكثرية. العملية ليست سهلة لكنني اعتقد انني نجحت خلال السبعة اشهر الماضية وقد رضي عني كل اعضاء المجلس والحكومة. وهي تجربة ناجحة بالرغم من انها جديدة.

* كيف بدأت الفكرة ولماذا تم اختيارك انت بالذات؟

ـ انا لا انتمي الى اي حزب او حركة سياسية وقد بدأت العمل السياسي منذ مطلع الثمانينات ويعرفني الجميع، القوى الاسلامية والعلمانية، لذلك فانا موضع ثقة الكل وبالتجربة العملية لا يمكن ان انحاز مع جهة ضد اخرى.

* اذا صدر موقف او قرار من المجلس يتعارض مع افكارك الشخصية وعليك ان تتبنى هذا القرار وتدافع عنه، كيف تتجاوز هذا الصراع في داخلك؟

ـ نعم هذه اشكالية اواجهها، فانا ايضا شخص سياسي واعلامي ولي آراء مستقلة وفي بعض الاحيان هناك قرارات وآراء لا أتفق معها ولكن يجب علي ان اجد محاسن لهذه الآراء واعرضها على الناس واهمل الاعتراضات التي في داخلي ضد هذا القرار او ذاك، فانا عندما اتحدث لا اعبر عما في داخلي ولكن اتحدث عن المجلس وقراراته ومواقفه.

* هل وجدت نفسك في موقف صعب او محرج خلال عملك؟

ـ من اصعب المواقف التي واجهتها هي في يوم توقيع قانون ادارة الدولة الانتقالي، نحن رتبنا الحفل وجاء الصحافيون والوزراء والضيوف وهيئت الاسماء والطاولة والاقلام وكل شيء كان جاهزا والجميع في انتظار مجيء اعضاء مجلس الحكم لكي يوقعوا على القانون وفوجئت بحدوث اختلاف في اللحظة الاخيرة وكنت اتمنى ان يحسم الخلاف لكن النقاشات استمرت حتى الساعة التاسعة مساء واضطررت الى ان اخرج الى مراسلي وسائل الاعلام وقلت لهم ان التوقيع سيتأخر فقد كنت اتوقع ان نعود بعد ساعة لتوقيع القانون. كانت تلك الحادثة من اصعب المواجهات مع وسائل الاعلام، الكل يريد ان يعرف ما هي الخلافات ومن الذي اختلف ولم استطع ان افصح عن اية معلومات. وهناك مواقف اخرى، مثلا القرار 137، انا شخصيا لم اكن مؤيدا له، ولكن اعضاء المجلس هم من اتخذه وكان علي الدفاع عنه وابراز محاسنه بالرغم من انني في داخلي ضده. القرار اثار لغطا واحتجاجات وخلافات كثيرة دفع بمجلس الحكم الى سحبه وإلغائه، وكان علي ان اعلن عن إلغاء القرار وأبين محاسن إلغائه، ومن المحاسن هي ان قرارا اتخذ ولاقى معارضة من الجماهير فتم إلغاؤه، وان مجلس الحكم يجد في نفسه الشجاعة لأن يلغي قرارا كان قد اتخذه.

* هل تحضر كل اجتماعات المجلس؟

ـ نعم احضرها جميعا لكنني لا اصوت وقد أُسأل وأدلي برأيي.

* بعد عام من سقوط صدام ونظامه، وانت الآن في داخل العمل السياسي في العراق، كيف تنظر الى الاوضاع هناك؟

ـ العراق كما يعرف الجميع بلد متعدد الاقوام والاديان، وهو الآن متعدد الاتجاهات السياسية. نظام صدام حسين كان كابوسا مسلطا على رؤوس الجميع وعندما سقط برزت كل الفئات والطوائف والحركات السياسية والكل يريد ان يكون له مكان ودور، وهذا من حق الجميع، ولكن في هذه المرحلة يجب على الجميع ان يتناسوا هذه القضية وينظروا الى مستقبل العراق ويجب ان يكون هناك اجماع بين الجهات السياسية المختلفة والقومية والدينية ويجب ان تنظر الى ابعد من ان تجد دورا او مكانا لها. بالرغم من انه صحي ان تجد هذا العدد الكبير من الحركات والاحزاب وايضا من الصحف والمجلات والمحطات الاذاعية والتلفزيونية فيجب ان تكون هناك ضمانات لاستمرار التعددية في العراق. حاليا ليس هناك مثل هذه الضمانات وليس هناك قوة سياسية تضمن هذه الحرية ويجب ان نجد مثل هذه القوة المحايدة لتضمن استمرارية هذه التعددية السياسية والدينية والقومية.

* بمناسبة الحديث عن تعدد القنوات الاعلامية، كم صحيفة ومجلة يومية واسبوعية وشهرية ومحطة اذاعية وتلفزيونية في العراق اليوم؟

ـ هناك 250 صحيفة ومجلة وأكثر من عشرين محطة اذاعة وتلفزيون محلية في العراق.

* كيف يتم تنظيم الوضع الاعلامي في العراق، لا سيما انت رجل اعلامي؟

ـ منذ سقوط النظام لم يكن هناك اي تنظيم، كل من توفرت له اجهزة بث اذاعي ووجد فراغا بين الموجات راح يؤسس محطة ويبث، وكذلك الصحافة فكل من رغب ان تكون له صحيفته او مجلته اصدرها، هذا على المستوى الشخصي، اما بالنسبة للحركات والاحزاب السياسية فكلها صارت لها وسائلها الاعلامية، ليس هناك ما ينظم هذه الاصدارات او المحطات الاذاعية والتلفزيونية، لكن الآن نعمل على تأسيس الهيئة الوطنية للاعلام وتقوم اللجنة الاعلامية في مجلس الحكم، وانا عضو في هذه اللجنة، بتنظيم الوضع الاعلامي، ونحن نعمل على ان تكون هناك جهة واحدة تنظم عمل المحطات الاذاعية والتلفزيونية على الاقل لايجاد الموجات الاذاعية والعمل على عدم تداخلها وكذلك وضع بعض الشروط والضوابط لعمل هذه المؤسسات والا ستتحول الى فوضى.

* هل سيتم اصدار قانون خاص بالاعلام مثلا؟

ـ وضعنا قانونا للاعلام ولكن هذا القانون يبقى مؤقتا، ذلك ان قانون الاعلام يجب ان يكون ضمن القانون العام لادارة البلد او ضمن الدستور، البرلمان هو الذي يجب ان يشرع القوانين وفي ظل غياب البرلمان من الصعب جدا ان نضع قانونا للاعلام، ولكن في المرحلة المؤقتة صغنا قانونا وهو يُدرس الآن من قبل لجنة الاعلام في المجلس ويتضمن بعض الضوابط منها ألا يكون هناك تشهير او تحريض على العنف والكراهية، هذا مهم جدا في بلد متعدد القوميات والطوائف والاديان مثل العراق الذي لم يعتد على الحرية والتعددية السياسية، ولا بد للصحافي ان يعرف ان هناك حدودا ينبغي ان لا يتجاوزها. وحتى صياغة قانون خاص بالاعلام ضمن دستور الدولة فانه سيتم تشكيل الهيئة الوطنية للاعلام وسيتم الالتزام بقانون الاعلام لتنظيم العمل الاعلامي.

* هل ستكون هناك تراخيص للصحف والمحطات الاذاعية والتلفزيونية؟

ـ لا لن تكون هناك تراخيص للصحف ولكن ستكون هناك قواعد لتنظيم عمل الاذاعات ومحطات التلفزيون، وهي قواعد تقنية وفنية بحتة، نحن لا ننوي ان نفرض اية رقابة على الصحف والاعلام ولكن سيكون هناك تسجيل للصحف وكشف عن مصادر التمويل، كل هذه الامور ستناقش والمخاطر التي تعترض سبيل عمل الاعلام الحر وهو دعامة اساسية من دعامات الدولة الحديثة في العراق ولن نفرض اية قيود على وسائل الاعلام.

* في كل شهر هناك رئيس جديد لمجلس الحكم وانت عليك ان تنظم برنامجك مع هذا الرئيس، أليست هذه مهمة معقدة؟

ـ حسب النظام الداخلي لمجلس الحكم لا يحق لأي شخص التحدث باسم المجلس الا الرئيس والناطق الرسمي، ذلك ان قرارات المجلس جماعية وتتخذ اما بالاتفاق او بالتصويت وعندما يتخذ القرار يلتزم به الجميع، لهذا فان الرئيس لا يتميز كثيرا عن باقي اعضاء المجلس لأن القرار جماعي والخطاب لا يتغير ولا اعاني من مشكلة في هذا الموضوع، ولكن يبقى ان علي ان اتعامل كل شهر مع رئيس جديد وحتى الآن لم اواجه اية مشكلة لأنهم كلهم يتميزون بفهم سياسي عميق وبالرقي الاجتماعي.

* لكن هناك داخل المجلس من هو اسلامي وشيوعي، كردي او عربي او تركماني، فكيف توفق في العمل مع كل هؤلاء؟

ـ هذا امر طبيعي في مجلس الحكم، وفي نهاية المطاف تجد العلماني مثلا يوافق على قرارات يوافق عليها او يقترحها الاسلامي، والسياسة هي فن الممكن ولا يتوقع اي سياسي ان يحصل على كل ما يريد وهذا امر معروف خاصة في مجلس الحكم، وهي تجربة فريدة من نوعها ومفيدة للشعب العراقي وللأحزاب العراقية لأنهم يجلسون ويتناقشون ويختلفون ولكنهم في نهاية المطاف يضطرون لان يتفقوا، وقد اتفقوا، وكل القرارات الصادرة عن المجلس اتخذت بالاتفاق، الكثير منها اتخذ بالاجماع، والاخرى اتخذت بالاغلبية. اذن هي تجربة مفيدة، تجربة تجعل من الاستاذ حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي العراقي صديقا للسيد عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الاعلى للثورة الاسلامية وصديقا للدكتور ابراهيم الجعفري رئيس حزب الدعوة، وتجعل العلمانيين يتعاملون مع الاسلاميين، وكذلك العرب يتعاملون مع الاكراد والتركمان، هذه التجربة ستكون لها آثار جيدة على السياسة العراقية وعلى المجتمع العراقي.

* كم قرارا اصدره المجلس ولم يوافق عليه السفير بول بريمر؟

ـ لا تتوفر لدي حاليا الارقام، لكن آلية العمل هي ان مجلس الحكم يتخذ القرارات، وبريمر، كونه رئيس سلطة التحالف المؤقتة فعمليا، هو الرئيس، وكثير من القرارات يوافق بريمر على تنفيذها وبعضها لا ينفذها لأنه لا يوافق عليها او انها اتخذت من دون التفاهم معه او انه يختلف معها، هذا الذي يحصل احيانا، وهناك مشاورات مستمرة بين مجلس الحكم وسلطة التحالف كي لا تحصل اختلافات فيما بينهم. في احيان قليلة حصلت اختلافات في البداية بسبب عدم او قلة التنسيق.

* ما مدى نفوذ سلطة التحالف او السفير بريمر على مجلس الحكم؟

ـ مجلس الحكم مستقل في قراراته وتصوراته وتوجهاته لا يؤثر عليه السفير بريمر ولا الولايات المتحدة وهذه حقيقة اقولها اليوم للتاريخ وسأقولها لاحقا ايضا، وهذه حقيقة يجب ان يعرفها الجميع وخاصة العراقيين. مجلس الحكم مستقل لا يخضع لضغوط ولا يقبل بضغوط، ويأتي السفير بريمر كل يوم اربعاء كي تتم مساءلته وتوجيه النقد له، وبريمر يتمتع باخلاق عالية، فهو يتلقى خلال اللقاءات معه النقد، والنقد اللاذع في بعض الاحيان. ولو كان المجلس تابعا لبريمر لما حصلت هذه الظاهرة، وفي بعض الاحيان يحضر بريمر اكثر من مرة خلال الاسبوع لعقد هذه الجلسة كي يجيب عن اسئلة الاعضاء ويشرح بعض السياسات التي يريد اعضاء المجلس تفسيرا لها، وتحدث الاختلافات قبل ان يتم الاتفاق.

* ما هي الفرصة التي باعتقادك يحتاجها الشعب العراقي لاستيعاب التجربة الديمقراطية؟

ـ الشعب العراقي يريد تطبيق الديمقراطية ومتعطش للحرية، ولكنه جديد على ممارستها، نعم كانت هناك تجربة ديمقراطية في العراق في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات من القرن الماضي لكننا لم نعشها ولم نتذكرها. نحن بحاجة الى ممارسة الديمقراطية، نحتاج الى اعلام حر، الى ممارسة حريتنا وان تكون هناك احزاب سياسية تطرح برامجها على المجتمع العراقي حتى يتأقلم الشعب مع برامجها وان يفهم ان الاختلاف في الرأي لا يعني الاقتتال او الاحتراب وانما الاختلاف ظاهرة صحية. نحتاج الى فترة من الزمن لنعتاد ونتعلم على هذه الظواهر.

http://www.aawsat.com/details.asp?section=4&article=228340&issueno=9268