• الحياة اللندنية الأحد, 07 مارس 2010
    من السمات اللافتة في الانتخابات العراقية التي تُجرى اليوم كثرة السياسيين الذين تنقلوا بين القوائم المختلفة خلال السنوات الخمس الماضية من دون اعتبار لبرامج القوائم التي ينتقلون منها وإليها، على رغم ادعائهم العكس. فقد تفاوض الكثيرون منهم مع ممثلي القوائم الرئيسة المختلفة للحصول على موقع متقدم فيها وانتقلوا في النهاية إلى القائمة التي قبلتهم أو وفرت لهم موقعاً يحتمل الفوز.

    وبنظرة سريعة إلى أسماء المرشحين، يجد المتفحص أن كثيرين من السياسيين عبروا من اليسار إلى اليمين أو العكس طلباً للفوز من دون تبيان أسباب الانتقال المفاجئ لناخبيهم. وقد تنقل بعضهم بين ثلاث قوائم متعارضة خلال الانتخابات الثلاثة الماضية. وأمر محزن أن يضطر الناخب العراقي للاختيار من بين سياسيين كهؤلاء لا هَمَ لهم سوى الوصول إلى السلطة، يتنقلون بين القوائم والأحزاب السياسية بسهولة بالغة كتنقلهم بين المقاهي.

    القائمة المفتوحة التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة والتي اعتمدت في النظام الانتخابي الجديد لا تقدم وصفة سحرية للناخبين، لأن التصويت سيكون في نهاية المطاف للقائمة أولاً وأكثر الناخبين سيضطرون للتصويت للقائمة وقد يصوت بعضهم لأحد المرشحين داخل القائمة نفسها، وسيكون للتسلسل الذي وضعه زعيم القائمة أهميتُه أيضاً لأن من الصعب على الناخب أن يتفحص عشرات الأرقام كي يصل إلى رقم مرشحه الذي يفترض أنه حفظه عن ظهر قلب. الناخبون المسنون أو المرضى أو المعاقون أو الأميون، وهم كثر في العراق، لن يستطيعوا أن يبحثوا بين الأرقام الكثيرة وسيصوتون لقائمة من القوائم بحسب توجيهات من يساعدهم على التصويت وقد يكون هذا «المساعد» داخل المركز الانتخابي نفسه. وفي انتخابات سابقة، أخطأ ناخبون في اختيار رقم مرشحهم وأشروا على رقم مشابه مما أدى إلى فوز مرشح آخر من طريق الصدفة بحسب توقعات مراقبين. ومن المتوقع أن يتصرف زعماء الكتل في دفع أنصارهم غير الفائزين إلى المقاعد التعويضية والمقاعد التي يُخليها شاغلو المناصب التنفيذية التي قد تتجاوز الخمسين مقعداً. وكان مفاجئاً أن نرى مرشحين قياديين في بعض الأحزاب يرشحون في مناطق لا يتوقع لهم أن يفوزوا فيها مطلقاً، لكننا على الأغلب سنرى هؤلاء المرشحين في البرلمان المقبل!

    المتفحص للبرامج الانتخابية يجد معظمها بمثابة وعود و «نصائح» عامة لا تحمل أي تفاصيل عن المشاكل التي يواجهها البلد أو الحلول المطروحة لها، فالكل يتحدث عن تحسين الخدمات والتعليم والصحة وتحقيق الأمن والقضاء على البطالة، ولكن ليس بينهم من يتحدث بلغة الأرقام وكيفية تمويل هذه الإصلاحات والمشاريع الفلكية التي يتحدثون عنها، وبذلك تكون وعوداً تهدف إلى تضليل الناخب لأن مطلقيها يعرفون مسبقاً أنها لن تتحقق. ومن يتفحص شعارات المرشحين يجدها تتحدث عن «النزاهة» أو «الكفاءة» من دون إبراز الدليل على هذا الادعاء، خصوصاً بين من تولوا مناصب تنفيذية خلال الفترة الماضية والذين لم يحققوا إنجازاً يذكر. أحد المرشحين يتباهى بأنه استقال من الحكومة احتجاجاً على سياسة معينة، لكنه يُغْفِل أنه يتحالف الآن مع رئيس تلك الحكومة التي احتج عليها وانتقدها. والحقيقة أنه لم يستقل بل أقيل واستبدل بحسب نظام المحاصصة المعمول به في العراق. مرشح آخر كتب في ملصق كبير أنه «رفض أن يفعل كذا واستقال من الحكومة» وهو الآخر لم يرفض ولم يستقِل! وهذا دليل على حجم التضليل الذي يتعرض له الناخب.

    لا أحد يشك في أهمية هذه الانتخابات لأنها تأتي في مرحلة مهمة وهي أول انتخابات تتيح لحكومة ومعارضة منتخبتين أن تختبرا شعبيتهما، وهذه أول مرة يتمكن فيها الناخبون من تقييم خياراتهم الانتخابية السابقة. الكثيرون منهم سيفكرون ملياً قبل أن يضعوا صوتهم في صندوق الاقتراع. كثيرون ربما صنعوا قرارهم منذ فترة من الزمن، لكن نسبة كبيرة لا تزال تفكر ولن تتخذ القرار حتى يوم الاقتراع. المنتفعون من الحكومة، أو من يعتقدون أنهم سينتفعون منها لو عادت إلى السلطة، سوف يصوتون من دون شك لقوائم دولة القانون والائتلاف والتحالف الكردستاني والتوافق باعتبارها مشاركة في هذه الحكومة بنسب متفاوتة، حصة الأسد فيها لائتلاف دولة القانون. المتضررون، وما أكثرهم، قد يصوتون للقائمة العراقية الوطنية المعارضة بزعامة إياد علاوي أو ربما لقائمة وحدة العراق بزعامة جواد البولاني، الذي اختلف مع بقية أطراف الحكومة بسبب تشكيله لقائمة انتخابية منافسة، أو قد يصوتون لقوائم أخرى قد تفاجئ الساحة السياسية بفوز انتخابي كقائمة «أحرار» بزعامة رجل الدين العلماني، إياد جمال الدين، التي تدير حملة انتخابية وإعلانية ناجحة.

    القوائم الانتخابية التي وظفت الدين والطائفة في الانتخابات السابقة حاولت مرة أخرى استخدام الأساليب السابقة نفسها للتأثير في الناخبين إلا أن ذلك لم يكن بتلك السهولة هذه المرة بسبب إيضاحات وبيانات متكررة من مكاتب مراجع الدين الشيعة أوضحت بما لا يدع مجالاً للشك أنهم على مسافة واحدة من الكيانات السياسية جميعاً. لذلك فإن أي محاولة لإقحام الدين أو مراجعه في الانتخابات ستكون محاولة واضحة لتضليل الناخب. أما الطائفية فلم تعد نافعة لأحد، إلا نادراً، وقد جربها أحد المرشحين قبل أيام عندما أساء إلى أحد الخلفاء لكنه واجه إدانة شعبية شديدة شملت حتى أقرب حلفائه مما اضطره إلى التراجع ثم الصمت خجلاً.

    هل سيصوت الناخبون للمرشحين الذين تنقلوا بين القوائم من دون اعتبار للتوجهات والبرامج السياسية؟ إنه لأمر محير، فالناخب العراقي لا يزال جديداً على الحيل السياسية وغير مطلع إطلاعاً تاماً على تجارب الدول الديموقراطية الأخرى التي لا مكان فيها لأمثال هؤلاء الانتهازيين، لذلك قد لا ينتبه كثيرون لهذه الظاهرة المخجلة في السياسة العراقية. إن من حق أي إنسان أن يغير رأيه وتوجهاته السياسية بحسب قناعاته، ولكن أن يغيرها بسرعة البرق وباتجاهات متعارضة بحسب مصلحته الشخصية هو أمر مريب ويدعو الناخب الحصيف إلى عدم التصويت لهؤلاء لأن تنقلهم يوحي أنهم يبحثون عن مناصب ولا يسعون لتحقيق أهداف سياسية تخدم الصالح العام. من حق الناخب ألا يثق بهم وبالقوائم التي تستقبلهم، خصوصاً أولئك الذين تنقلوا بين الجهات الأربع بانتهازية صارخة، لأنهم طلاب مناصب لا سعاة لخدمة للشعب.

     

 

 

 

 

 

أرسل إلى صديق تعليق
تصغير الخط تكبير الخط

مواضيع ذات صلة

 

تعليقات

 

اللاهثون وراء المناصب لن يحققوا مصلحة الناخب العراقي

كاتب التعليق : عرس انتخابي التاريخ : الجمعة, 03/12/2010 – 20:40.

ارى ان الكثيرمن السياسيين الذين تجدهم تارة هنا وتارة هناك وذلك بسبب الشغف السياسي الذي يصيب اغلب السياسيين ولو على كرامته غير اني ارى هذا اللهوث لو كان لمصلحة الوطن لكان اولى به ان يرعى الذين انتخبوه وجعلوا منه نائباً وليس الركض وراء المنصب اوالظهور في قوائم تدعي الوطنية. الكثير من هؤلاء انتقلوا لاماكن اخرى غير اماكنهم الاصلية خوفا من الفشل الذريع .وعلى هذا الاساس ان التجربة الديمقراطية التي يسير فيها العراق اليوم هي الشرارة الاولى التي ستشب في المنطقة وخاصة العربية منها التي ما زالت تقبع تحت هيمنة الدكتاتوريات والارث

 

متابعة الانتخابات العراقية

كاتب التعليق : IslamOnline التاريخ : الثلاثاء, 03/09/2010 – 15:27.

Follow up the Iraqi Elections on IslamOnline.net on the following link:

http://www.islamonline.net/English/In_Depth/MuslimAffairs/Iraqi_2010_Ele…

 

اللاهثون وراء المناصب لن يحققوا مصلحة الناخب العراقي

كاتب التعليق : ابن الرافدين التاريخ : الثلاثاء, 03/09/2010 – 00:42.
بسم الله الرحمن الرحيم
الانتخابات العراقيه اكبر اضحوكه أتت بها الولايات المتحدة الامريكية لشوب المنطقه وخاصة أولئك اللاهثون من الليبراليون العرب من ابناء الخليج نحن اهل العراق أكتوينا بهذه الدمقراطيه التي قتلت فينا كل شئ جميل فهؤلاء اللاهثون وراء المناصب لم ولن يقدموا لنا سوى سرقة المال العام والثراء على حسابنا نحن ابناء هذا الوطن الجريح الذين لم نخرج من هذا البلد فتحملنا المر والحلو فيه اما اولئك الذين تآمروا على ذبحنا وسلخ جلودنا فعليهم لعنة الله والناس اجمعين فصبرا اهل العراق لابد لليل ان ينجلي ويكنس هؤلاء الى مزبلة من مزابل التأريخ ويعود العراق لأهله وستمر السنون ووراء السنين حلم جميل

 

اللاهثون وراء المناصب لن يحققوا مصلحة الناخب العراقي

كاتب التعليق : زينب علاء التاريخ : الأحد, 03/07/2010 – 19:07.

و وددت لو كان هناك خيار اخر، يقول: ” ارجوا اعادت الانتخابات لم اجد من يمثلني”. من ناحيه اخرى ، ناحية الجهل بالمرشحين اعتقد نحن الان في حاجه لتوعية الواعين المظللين تحت اثير شعارات القوائم المطروحه، قما بالك اذا ما قاد المووه جاله بالانتخابات ليمثل صوته… وهنا ينبطق المثل الشعبي :” اعمى يقود اعمى”.

 

اللاهثون وراء المناصب لن يحققوا مصلحة الناخب العراقي

كاتب التعليق : زينب علاء التاريخ : الأحد, 03/07/2010 – 19:06.

مقال رائع استاذ حميد … وددت لو ان الشعب العراقي يعي و يدرك ما يُكتب ويُقال من شعارات. كما عليه ان يحللها ويدرسها من عدت نواحي… ولكن مع الاسف الكثير من الناخبين ينساقون وراء العديد من الوعود التي تماشي الانفعالات و العواطف. وبعدها يظل يرزخ اربع سنوات يعاني نفس المعانات من غير ان يغير نمط تفكيره او حتى يفكر بايجابيه. على الرغم من وجود الكثير من المفكرين و المثقفين ولكن الكل يعتقد ان ليس بيده حيله لعدم توفر الخيارات المروجوه واذا توفرت فهي مشوبه.وكما ذَكرت ان هذه الانتخابات، نعم مهمه، ولكن مع الاسف اذا امعنت النظر في القوائم ، لم تجد من يمثلك بقائمه واحده اذا وّجد.

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/116263