سامي مهدي: سياسي لم يدخل السياسة في أدبه

أحزنني رحيل الشاعر المبدع سامي مهدي. أعرف أن هناك مشاعر متضاربة بخصوصه ولكن الذي يهمني هو قيمته الأدبية. أنا شخصيا أنحاز للمثقف الحقيقي، بغض النظر عن رأيه أو انتمائه السياسي أو سلوكه الأخلاقي… أتفهم آراء المثقفين في سامي مهدي كونه كان مديرا وقد تضرر بعضهم من إدارته، لكنه كان جزءا من نظام شمولي وهو لا يمتلك الصلاحيات التي تؤهله لأن يكون منصفا دائما.

كان رئيس تحرير ومدير تحرير ومدير إذاعة وتلفزيون وهذه مناصب تنفيذية تفرض على شاغليها في النظام السابق أن يكونوا مطيعين وموالين 100%، والرجل كان يريد أن يحافظ على نفسه وألا يخالف القوانين. لا ننسى أن كل المثقفين من أصحاب المناصب اضطروا لمجاراة النظام، وبعضهم ظل مواليا حتى بعد سقوط النظام.

من لم يجارِ النظام دخل السجن أو أعدم. وكيل وزارة الثقافة، حميد سعيد، أُدخِل السجن وعذب!!! ثم أُخرِج من السجن وأعيد إلى منصبه (وهذه حالة نادرة)! عزيز السيد جاسم أعدم لأنه اعترض وعبر عن رأيه الصريح!!! ضرغام هاشم أعدم لأنه اعترض أو انتقد. سعد البزاز اضطر للخروج من العراق كي يعلن معارضته، وهكذا… سامي أحب العراق وعاش فيه حتى موته وهذه تسجل له.

كتب شعرا جميلا، وبقي مخلصا لأسلوبه الأدبي الذي بدأ به، وهو التفعيلة، ورغم انتمائه السياسي العروبي البعثي، لكنه لم يدخل السياسة في الأدب، بل فصل بين الاثنين فصلا تاما، والغريب أنه تمكن من ذلك ولم يخضع لضغوط كي يكتب شعرا سياسيا. لقد بقي شاعرا فحسب.

من الصعب أن نلوم سامي مهدي على إجراءاته الإدارية، التي ربما كانت قاسية على البعض، لكن القسوة ليست منه شخصيا بل من النظام. لم يكن سامي متنفذا وقادرا على مخالفة الضوابط الصارمة، ولو كان قد خالفها لصار حاله كحال حميد سعيد أو عزيز السيد جاسم الذي تغير فكريا على ما يبدو، ما جعل النظام يتخذ منه موقفا صارما. كان بإمكانه أن يغادر العراق، لكنه لم يستطع العيش في بلد آخر. فهو رجل ارتبط بالعراق ارتباطا ثقافيا عضويا، حتى أنني سألته ذات يوم ألا تخشى البقاء في العراق، فقال حرفيا (المفلس في القافلة أمين. أنا لم ارتكب جريمة ولم أخالف القوانين أو الضوابط وضميري مرتاح ولا أخشى أحدا. لم أغادر العراق إلا في مهام رسمية، ولن أخرج منه مازلت حيا).

أخبرني بعض من عمل معه بأنه رجل مؤدب ومتواضع ومهني وإنساني في تعامله معهم

شخصيا أقيِّم كثيرا شعر وأدب وثقافة سامي مهدي. أما سلوكه الإداري فلا أعرف عنه الكثير، لذلك لا أدين من ينتقده، خصوصا أولئك الذين عملوا معه… لا أعرفه على المستوى الشخصي، سوى التواصل معه عبر الفيس بوك، وكنت أتراسل معه وأسأله عن قضايا أدبية وأعرض عليه نصوصا وكان يعطي رأيه فيها، إيجابا أو سلبا. لم يكن متزمتا ولا عنصريا في رأيي، لكنه كان أيديولوجيا حقيقيا، وبقي مواليا للنظام السابق من حيث أنه لم ينتقده مطلقا، بل كان يرفض النقد الحاد الذي يوجهه الآخرون له، وكان يحذف كل تعليق ينتقد النظام بقوة.

كان يشكو من حرمانه من راتبه التقاعدي، وكان هذا ظلما بواحا وقع عليه، وإجراءً غير منصف وغير قانوني، فالرجل خدم في الدولة ربما لثلاثة عقود أو أكثر، وهو يستحق التقاعد، أكثر من مئات الآلاف الذين حصلوا على رواتب تقاعدية دون أن تكون لهم خدمة كافية في الدولة.

ليس من السهولة أن يتكرر أمثال سامي مهدي، وهو شخص عركته الأيام وتبلورت شخصيته في زمن آخر وليس صحيحا أن نتوقع منه أن يكون عكس ما تربى وتثقف عليه… أشعر بألم أن سامي قد مات ولم ألتقِ به… كنت أعتزم أن أسعى للقائه عند العودة إلى العراق ولكن طال الغياب بسبب الأوضاع السيئة.

آخر قصيدة كتبها أو نشرها قبل ثلاثة أشهر من رحيله. كانت رائعة أعيد نشرها أدناه لما لها من اتصال بمناسبة رحيله. وداعا أبا نوّار

 

حميد الكفائي

 

 

مكتفٍ بوجودي،

ومعنايَ مكتملٌ بي،

ولا شيءَ ينقصُه

من معانٍ تشظَّتْ وراءَ حدودي.

وأنا واضحٌ،

وشفيفٌ كماء العيونِ،

فذاتي تحيلُ إلى ذاتِها دونَ لبسٍ،

ولا سرَّ أخفيه عن حاقدٍ،

لا غموضَ ألوذُ به من حسودِ.

واحدٌ أحدٌ في جميعِ مرايايَ،

لا وجهَ لي غيرُ وجهي،

وبيتُ قصيدي اكتفائي بذاتي ومعنايَ،

لا خشيةً من سؤالٍ،

ولا طمعاً في خلودِ.

سامي مهدي

8 حزيران 2022