فالح حسون الدراجي
2007-05-02
 
قرأت أول أمس استقالة الزميل والصديق العزيز عماد عاشور، أو عماد الخفاجي من قناة الحرَّة عراق، ولا أكشف سراً لو قلت، بأني صُدِمتُ مرتين، مرَّة لما ورد في الاستقالة، ومرَّة لما حدث بعد الاستقالة، ولأن عماد الخفاجي أعلامي بارز ونشيط، يشهد له سجله الإذاعي والصحافي والتلفزيوني -رغم صغر سنه- ولأنه عراقي أصيل ووطني لا يختلف عليه أثنان، فمواقفه الوطنية المعروفة، تنطق بالأصالة والأنابة عنه، كما ان الحق يجبرنا على القول، بأن عماد عاشور رجل شجاع، واجه الموت أكثر من مرة، ولم يخف، أو يتراجع عن ممارسة عمله المهني والوطني في عراق ما بعد صدام، حيث يعرف الجميع بان عيون القتلة، والمجرمين، تترصد بلؤم كل أعلامي وطني، ديمقراطي، يشتغل بهمَّة ونشاط في بغداد، أوفي أي من المحافظات العراقية، ولأن عماد صديق عزيز على قلبي، ولي معه ذكريات وطنية طيبة، إذ لا أنسى موقفه قبل ست سنوات، حين جئتُ من ديترويت الى واشنطن مع مئات العراقيين المتظاهرين ضد صدام، حيث وقفنا ساعات عديدة – وفي ظل ظروف جوية سيئة – أمام سفارة النظام الصدامي ونحن نردد الهتافات والأناشيد التي تطالب برحيل البعث، وأسقاط صدام، ورغم رداءة الجو، الا أن المتظاهرين لم يتراجعوا، أو يتوقفوا قط، لكنَّ المحزن في الأمر، أن جميع وسائل الأعلام العربية، غابت عن تغطية هذه التظاهرة التي جاءت رداً على استفتاء صدام ( المائة في المائة )!!
 
على الرغم من أتفاقي- شخصياً – مع أغلب مراسلي القنوات العربية – بدءاً من قناة الجزيرة، وانتهاء ( بقناة الجيش) باعتباري عضواً في لجنة المظاهرة أولاً، والمسؤول عن التنسيق مع وسائل الأعلام العربية ثانياً – وفي ظل ذلك الإحباط القاتل، ظهر عماد عاشور- الذي كان يعمل في أحدى الإذاعات العربية التي تبث من واشنطن، ليبادر لوحده بتغطية المظاهرة اذاعياً، ويجري عدداً من اللقاءات مع المتظاهرين، فينقذ ما يمكن إنقاذه، وقد زاد على ذلك الموقف موقفاً، حين أصرَّ الرجل على استضافتي مع سبعة متظاهرين آخرين في شقته في واشنطن ، كما دعا أيضاً عدداُ من الأحبة العراقيين الذين يقيمون في فرجينيا، فكانت ليلة فريدة سهرنا فيها حتى الصباح، ونحن نغني للوطن والحرية والفجر المضيء القادم، ومنذ ذلك اليوم المثير، وعلاقتي بعماد تتعمق وتزداد قوةً، حتى أصبح الخفاجي بمثابة الأخ لي، ولكثير من العراقيين، وربما أكثر من ذلك. لذا وبعد هذا الذكرِ القليل (عن الكثير) الطيب الذي يملكه عماد الخفاجي، أصبح بمقدوري الحديث مع عماد بحُب وود، وصراحة أيضاً، بل وأن أعتب عليه بشدَّة أيضاً، فأنا والله لم أُصدَم بما طرحه عماد في استقالته فحسب، بل صعقت أيضاً، إذ كيف يقدر شخص مثل عماد، وهو يتمتع بكل هذه الأخلاقية العالية، وهذه الوطنية الثرة، وهذه المهنية النبيلة أن يتنكر لحياديته، ومهنيته بلحظة، فيسمح لغضبه (وزعله) بإلغاء حقوق زميل له في المهنة، والادعاء بأن الكفائي سياسي، وحكومي، ولا يمُّت للأعلام بصلة، وما الى ذلك من مغالطات لا يصدقها حتى عماد عاشور نفسه.
 
إن ما أراه أمامي أمر مدهش لا يمكن تصديقه، إذ كيف أصدِّق بأن ثمة شخصاً وطنياً شريفاً ناضل ضد الظلم والدكتاتورية، وتحمل الكثير جراء ذلك، يظلم زميلاً ورفيقاً له، كافح معه في ذات الميدان النضالي، وتحمل مثله، وربما أكثر منه عذاباً وألماً ومعاناة، لا أعرف كيف ومتى سطرَّت أنامل عماد هذه السطور، وخطَّت مثل هذه العبارات الظالمة، كما لا أعرف أيضاً لماذا، وكيف حدث ذلك، أمن أجل منصب، أم من اجل وظيفة، وهل هناك وظيفة في الكون أثمن من ثقة ومحبة الناس، وأغلى من اعتزازهم، فأية وظيفة تلك التي يفقد المرء أهله من اجلها؟ ولا أكشف سراً لو قلت، بأني لا أصدِّق قطعاً، بأن الاستقالة قد كتبت بيد عماد عاشور، فهذا ليس عماد الذي أعرفه، عماد الطيب، والنقي، والمنصف، كما اني لا أُصدق بان الغضب يمكن أن يفعل كل هذا الفعل المَّمر، فيجعل من زميلين، ورفيقين ناضلا معاً في ميدان الكفاح ضد الدكتاتورية (فرُجةً) على المواقع (التسوه والماتسوه) على الرغم من أن الكفائي ملتزم الصمت، ولم يرد على (النشاط الواسع) للخفاجي!! لقد أنكر عماد في نصِّ استقالته – وربما تحت تأثير العامل النفسي- على زميلنا حميد الكفائي مهنيته، فأجهز- بجرَّة غضب، وليس قلم – على عطاء الكفائي المهني، وشطبَ بدون حق على تأريخ الرجل الذي قد يتجاوز الربع قرن، والمصيبة أن زميلنا العزيز عماد، يعرف تماماً بتأريخ الكفائي الإعلامي الناصع، إذ لا يعقل بأن عماد عاشور – الذي يعرف كل شيء عن الأعلام والإعلاميين – لا يعرف بأن الكفائي، قد عمل لسنوات عديدة في إذاعة البي بي سي، ولا يعرف أيضاً بأن هذه الإذاعة العريقة لا توظف لديها أشخاصاً هواة، بل هي تبحث دائماً عن الموهوبين جداً في الميدان الإعلامي، وخاصة المحترفين منهم ، فتدفع لهم أكبر الرواتب، وأجزل المخصصات من أجل اغرائهم بالعمل لديها؟
 
كما أني أجزم بأن ( العُمدة ) يعرف جيداً بأن حميد الكفائي، هو واحد من مؤسسي شبكة الأعلام العراقي الذين تصدوا بشجاعة، ومنذ اليوم الأول لسقوط الصنم، لتأسيس نموذج أعلامي حرّ وجديد، وقد كان لي شرف المشاركة في تكوين هذا الكيان الإعلامي الهام منذ بذرته الأولى ، حيث ألتقيت بالزميل الكفائي في ستوديوهات الكويت يوم العاشر من نيسان- أي بعد سقوط النظام بيوم واحد- فعملنا معاً في الإذاعة العراقية الجديدة، تلك الإذاعة التي كنا نبث برامجنا منها في الكويت، ثم من أم قصر، بعد أن أصبح بثها يصل الى البصرة وبغداد وغيرهما من المدن وهناك، وفي تلك التجربة الجديدة والمثيرة، تعرفت على حرفية حميد الكفائي المهنية، مثلما تعرفت على أخلاقه العالية، وسلوكه المميَّز، وقد تجلَّت تلك الحرفية والخبرة في أدائه الإذاعي الباهر، سواء في طريقة أعداده وتقديمه للبرامج، أوفي اختياره للشخصيات التي يقابلها، أو وهو يقرأ نشرات الأخبار- حين يغيب الزميل صادق الركابي ويضطر حميد لأداء هذه المهمة بالإنابة عنه، فكنا نجلس- نحن العاملين في الإذاعة – قرب الأستوديو لنستمع (ونستمتع ) أيضاً بأداء حميد الكفائي، وهو يلقي نشرة الأخبار بأناقة تامة، ولغة صافية وسليمة، وبحرفية عالية لا تتوفر الاَّ لمن عمل طويلاً في هذا الميدان، كما ان لخبرة الكفائي الإعلامية دوراً كبيراً في تصحيح وتوجيه مسار شبكة الأعلام، بخاصة وأن أغلب العاملين معنا آنذاك كان جديداً على العمل الإذاعي.
 
وللحق فأن ما أثار اعجابي في شخص حميد الكفائي هو شجاعته، وجرأته في طرح ما يراه صحيحاً، حتى أن طرحه يبدو لمن لا يعرفه طرح عدائي وشخصي، وقد سبب له ذلك اختلافات وخصومات مع العديد من الزملاء، ولأني لم أكن أعرفه من قبل، ولا اعرف مزاياه، فقد اختلفت معه أيضاً يوم انتقدني في أعداد أحد البرامج، حيث أتهمني بالانحياز آيدلوجياً لأحد الاتجاهات السياسية، وتقديم رموز ذلك الاتجاه في برنامجي أكثر من غيرهم، وأعتقد ان الأمر الذي استفزني، هو أن الكفائي طرح رأيه ذاك في اجتماع كنا نعقده قبل دخولنا الى الأستوديو صباح كل يوم، وكان يحضره المدير المؤقت للشبكة (وقد كان أمريكياً) إذ ظننت وقتها بأن الكفائي كان يتقرَّب الى الأمريكيين، لكي يكون مديراً للشبكة، فنشبت بيني وبينه مشادة كلامية انتهت (بالزعل)، وبقينا مختلفين (وزعلانين) حتى فوجئت بعد أسبوعين، بأن حميد الكفائي قد قدمَّ استقالته، وترك العمل، رغم أن الإدارة رفضت استقالته، الأمر الذي جعلني أندم كثيرا على سوء ظني به، بخاصة وأن استقالته جاءت بسبب رفضه للعمل تحت أية شروط استبدادية، وأن يظل العمل عراقي التوجه، والتوجيه!! وقد ألمني جداً، أننا افترقنا دون سلام، أو تصالح، فضلاً عن حزني وندمي لأني ظننت بالرجل ظناً في غير محله تماماً!!
 
والمدهش أنني أعدتُ بعد شهرين نفس الشروط التي كان قد طرحها الكفائي على الإدارة (الأمريكية)، فتلقيت منها مثل ما تلقى الكفائي من جواب، وكانت النتيجتان واحدة، وإذا كان حميد الكفائي قد ترك العمل بمفرده، فأنا تركت العمل ومعي كل الزملاء الذين أيدَّوا شروطي تلك! وللحق فأني بقيت أعاني كثيرا جرَّاء موقفي السلبي من الأخ حميد لكنيَّ بقيت (معتزاً بإثمي) ولم أبادر حتى للاتصال به، او الاعتذار له برسالة قصيرة، وبقينا هكذا، الى أن تعرض الرجل لحملة ظالمة من بعض الأشخاص(بعد مغادرته لموقع الناطق الصحفي لمجلس الحكم المنحل) بسبب حياديته، وعدم انتمائه لأي حزب سياسي، أو جهة متنفذة، ناهيك عن استقامته، واحترامه لنفسه، فوصل الأمر الى إنذاره بإخلاء المسكن البسيط الذي كان يسكنه في المنطقة الخضراء، وهذا يعني رميه لقمة سائغة بأفواه القتلة، وأعداء الدولة العراقية الجديدة، وهنا أنبرى قلمي مدافعاً عنه، فكان مفاجأة حلوة له، ترجمها برسالة ودودة يشكرني فيها ويحيي موقفي منه رغم اختلافنا. لقد انتصرتُ للحق والزمالة، وللطريق الحر الذي مشيناه، ولم انتصر لشخصه، أو أدافع عن اسمه، رغم أنهما يستحقان كل الاحترام والتقدير. بقي شيء لم أذكره عن مهنية وخبرات الكفائي (التلفزيونية) بخاصة بعد انتظامه في دورات فنية ذات مستوى عال، بعضها تم في اليونان والقاهرة، وبعضها في لندن وواشنطن، فضلاً عن مشاركاته الكثيرة في المؤتمرات الإعلامية الدولية، تلك المؤتمرات التي تعد من العيار الإعلامي الثقيل، وقد حصل من هذه وتلك على خبرات كبيرة، أهلته لأن تسعى كبريات القنوات العالمية لاستضافته، أو الاتصال به دائماً، لتحليل موقف سياسي، أو تفصيل قضية تخص الشأن العراقي، ولعل قناة السي أن أن واحدة من بين تلك القنوات التي استضافت الكفائي!!
 
وهنا اود أن أسأل سؤالاً واحداً لا غير: – إذا كان الرجل بكل هذا التأريخ المهني والوطني، وبكل هذه الخبرات الإعلامية المتقدمة، والحيادية، لا يستحق صفة الإعلامي، أو منصب مدير قناة، فمن يا ترى يستحق ذلك؟! وقبل الإجابة، يجب أن نقِّر بأن حجم موقع مدير قناة الحرَّة عراق، ليس كبيراً على قياس حميد الكفائي، وإذا كان هناك قول يقال، فأن هذه القناة هي التي ستستفيد من قدرات الكفائي وليس العكس، فكم تمنيت مخلصاً أن يكون الكفائي على رأس هذه القناة، وأن يكون معه عماد الخفاجي، وسالم مشكور وحسام حسن وعبد الله اللامي وكل هذه الكوكبة المضيئة من الإعلاميين الكبار، لقد تمنيت أن يكون الخفاجي مع الكفائي في هذا الظرف الوطني العسير، لا أن يتخلى عنه، أو يقف ضد قرار تعيينه!!
 
كما تمنيت أن يواصل عماد تألقه ببرجه البابلي، وان يواظب سالم مشكور على حضوره المضيء، بحياديته المعروفة وعراقيته الناصعة، وألقه الباهر عبر(حديث النهرين) الذي ينتظره العراقيون بلهفة، وأن يواصل نجم الرياضة المحبوب حسام حسن، بما هو معروف عنه وعن (أستوديو الرياضة) من ابداعات، ونجاحات كبيرة، وأن تتواصل تلك الأخبار اليقينية الصادقة بدفقها عبر ساعات بث الأخبار، بخاصة وأن (أخبار الحرَّة) صارت اليوم مصدراً مهماً لأغلب وسائل الأعلام في العالم، وأرجو صادقاً أن لا أكون قد نسيت أحداً من عناصر هذه القناة، التي أصبحت الأولى في حياديتها وتفردها، فأظلم مبدعاً من مبدعيها الرائعين.
 
ولا أكشف سراً لوقلت بأني تمنيت أن يقف- وقبل هذا الوقت – زميلنا حميد الكفائي، على رأس هذه القناة، لكي تتعمق نجاحاتها، وتتساند إبداعاتها، فمن المؤكد بأن هذه الكوكبة المبدعة، حين يتوفر لها شخص بخبرات الكفائي الإعلامية، وقدراته الإدارية، سوف تحقق كل ما يتمناه لها المحبون من نجاح وتألق مضاف، ورغم كل ذلك، فما زال أملي كبيراً، بأن يستجيب الصديق العزيز عماد لرجائي، ويحقق أمنيتي فيتراجع عن قراره، ويسحب استقالته، لأني على ثقة كبيرة بأن الحرَّة عراق بحاجة لقدرات عماد، ولشجاعته وبسالته، وليس العكس، متمنياً أيضاً على قناة الحرَّة عراق، ان تهيأ الظرف الملائم نفسياً وفنياً لكي يبادر عماد لسحب استقالته، على أن تتصافى النفوس، وتتعانق النوايا الطيبة من أجل هذا الشعب الطيب، الشعب المظلوم الذي أبتلته الأقدار والظروف بأعداء سفلة، لن يتوانوا عن ارتكاب أقذر الجرائم، وأحطها، ولن يتأخروا لحظة في سبيل سفك الدم العراقي الطهور، ناهيك عن صف الإعلام المنحط الذي يقف خلف هؤلاء القتلة المجرمين، أقصد ذلك الإعلام المعادي للعراق، والمدجج بالكراهية، والحقد على أهلنا الطيبين، فهل سيحقق عماد أمنيتي، وهل ستستجيب الحرَّة عراق لذلك؟
 
فالح حسون الدراجي
 
 

 http://www.alnoor.se/article.asp?id=5453