عام تصرمت حباله على رحيل الأستاذ عز الدين سليم ورفيقه الأخ طالب العامري وآخرين على يد الظلاميين الإرهابيين . عام كأنه الأمس مجلل بدماء هؤلاء الأبرياء الذين نذروا حياتهم لخدمة الشعب والوطن في مقارعة الصنم المهشم بأقدام العراقيين .
ليس للزمن محل من المشاعر العراقية الصادقة حين نستدعي ذكرى عز الدين سليم ورفاقه لأن كل سجاياهم الطيبة التي عشناها فيهم مازالت طرية نابضة بالعافية في القلب والذاكرة لتظل عصية على الموت:
“فالناس صنفان موتى في حياتهم وآخرون  ببطن  الأرض  أحياءُ”
الروائي العراقي حمزة الحسن أفرد في روايته ( الأعزل ) صفحات حاشدة لعز الدين سليم دون أن تكون لهذا الروائي أية علاقة مثيلة لعلاقتنا بالراحل الكريم غير أنه ممن هام على وجهه كغيره من العراقيين الشرفاء الرافضين لصدام وزمرته البغيضة دون أن يجد من يؤويه في طهران التي قضى فيها وطرا من الزمن متسكعا في شوارعها لا حول له ولا قوة إلى أن عثر عليه أبو ياسين فأسكنه منزله ورعاه كواحد ممن آواهم ورعاهم حتى سهل الله أمره في الهجرة إلى إحدى الدول الأوربية.
لم تكن لعز الدين سليم أية صلة أو معرفة مسبقة بهذا الروائي الشريد الذي كشف عن منقبة أخرى لصاحب الذكرى نحن نجهلها رغم علاقتنا الحميمة ولقاءاتنا شبه المتواصلة معه .
فقد ذكر هذا الروائي أن أبا ياسين كان يؤوي طفلة شريدة آثر أن يجعلها كواحدة من أفراد أسرته ، ولما أطلعت أبا ياسين على ما ذكره هذا الروائي قال “الحمد لله كبرت وتزوجت وهي بخير”.
وساعة الإعلان عن استشهاده خرجت امرأة عجوز كانت تسكن إلى جواري في منطقة السيدية تحديدا وهي تلطم وجهها بحرقة حسبت أنها قريبة له ، بعدها عرفت أنها من أسرة صابئية كانت تسكن البصرة بجوار منزل أبي ياسين وقد سقط ابنها لما كان طفلا غض الاهاب في نهر مجاور، فهرع إليه الراحل ورمى نفسه بكامل ملابسه في قاع النهر فاستنقذه.
ذلك ما روته لي هذه العجوز المذعورة بهول الفاجعة.
عند هذه المروءات والكرم العراقي تقف الذكرى لتنشر فجيعتها على كل سعفة من سعفات نخيل البصرة ، وتذرف دموعها غزيرة على خد التاريخ .
لا أحسب أحدا التقى هذا الراحل المتواضع والمفكر والمربي ولم يشعر انه قد تملّكه بالمحبة.
لم يتباه بتاريخه الحافل بالصبر والمثابرة على العمل الإسلامي كواحد من أبرز المناضلين الشرفاء. لا أحد ينكر أنه كان فينا كأحدنا إن لم يكن أكثر تواضعا، كل من عرفه لا ينسى له حسن الضيافة الدائمة التي يضفي عليها بنكاته العذبة شيئا من روحه المجبولة على حب الناس.
سلاما عليك أبا ياسين في عليين
سلاما عليك يا أبا محمد العامري أيها الشهم الذي قضى شطرا طويلا من حياته في زنازين سجون “الفضيلية” سيئة الصيت ،مقارعا الطاغوت، رافضا الإذعان لظلمه وجبروته .
سلاما … سلاما