تحل اليوم، الثلاثون من حزيران، الذكرى الثانية والتسعون لثورة العشرين في العراق التي انطلقت من مدينة الرميثة في الفرات الأوسط والتي قادت إلى نيل العراق استقلاله من بريطانيا في العام التالي وتتويج الأمير فيصل بن الحسين ملكا في الثالث والعشرين من آب 1921 بعد قرار مجلس الوزراء باختباره ملكا في 16 تموز.

في الصورة يبدو مبنى السراي في الرميثة الذي لا يزال قائما حتى اليوم لكنه مهمل للأسف الشديد. هذا المبنى التأريخي كان مقرا للحكومة العثمانية ثم البريطانية في الرميثة وفيه اعتقل البريطانيون الشيخ الثائر شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم عام 1920.  وقد أقدمت عشيرة الظوالم بقيادة الشيخ غثيث آل حرجان على اقتحام المبنى يوم الثلاثين من حزيران وفتحت أبوب المعتقل بالقوة وأطلقت سراح الشيخ شعلان أبو الجون منه.

وقد قام الجيش البريطاني بملاحقة الثوار وإرسال قوة عسكرية عدد أفرادها مئتا جندي بهدف ملاحقتهم وقتلهم وإعادة الشيخ شعلان إلى المعتقل، لكن تلك القوة أُبيدت عن بكرة أبيها على أيدي الثوار من عشيرة البوحسان والظوالم ولم يبقَ منها سوى قائدها المقدم هايت (أو حايط كما كان يسميه الثوار في الرميثة). بقيت عشائر الرميثة تحارب المحتلين البريطانيين ولم تستسلم مطلقا بل انتهت الثورة بعد أن أجرى البريطانيون مفاوضات مع الثوار كان المفاوض الرئيسي عنهم فيها السيد محمد السيد محمود الشرع الذي كان شخصية مرموقة في المنطقة ومسموع الكلمة من قبل جميع العشائر في الفرات الأوسط. وقد اعتبر عالم الاجتماع العراقي المعروف الدكتور علي الوردي أن المنتصر الحقيقي في تلك الثورة هم عشائر الرميثة والفرات الأوسط الذين لم يلقوا سلاحهم إلا وفق اتفاقية قادت في النهاية إلى استقلال العراق.

ورغم أن هذه المنطقة تمثل العراق التأريخي وأن أهلها هم الذين ساهموا في تأسيس العراق الحديث إلا أنها لا تزال  الأفقر في العراق وفق الإحصاءات الرسمية. ولا تزال الكتل السياسية الرئيسية لا تعير أهمية لها بل حتى أن بعضها قدم مرشحين من محافظات أخرى في الانتخابات المتعاقبة كي يمثلوها في البرلمان. لكن هذه المنطقة ستبقى تمثل الضمير الوطني العراقي وتبقى متمسكة بالوحدة الوطنية العراقية رغم الإهمال والتهميش الذي لن يطول بفضل الوعي والحس الوطني الذي يتمتع به أهلها.

مبنى سراي الرميثة هو مبنى تأريخي عراقي مرتبط بالوجدان العراقي ويجب أن تعتني به الحكومة كأثر عراقي خالد ويسجل لدى دائرة الآثار العراقية كي يحظى بصيانة متواصلة لحفظه من التآكل والهدم. هذا هو أقل ما يمكن عمله لتخليد ثورة العشرين وتأكيد العرفان للرميثة وأهلها وعشائرها على تضحياتهم الجليلة على مر العصور في سبيل العراق …

تحية لثوار العشرين في ذكرى الثورة وتحية لأرواح قادتهم العظام وعلى رأسهم الشيخ شعلان أبو الجون والشيخ غثيث الحاجم والسيد محمد السيد محمود الشرع والسيد هادي المكوطر والسيد نور الياسري والشيخ عبد العباس الفرهود وباقي الثوار الذين لا تتسع الصفحات لذكر مآثرهم وأفضالهم على العراق. ألف تحية لأرواحهم الزكية وذكراهم العطرة وشجاعتهم الفائقة وتفانيهم المنقطع النظير في سبيل العراق.

حميد الكفائي