امضيت عدة ايام مع صديقي التأريخي الدكتور امير المختار مستشار وزارة الصحة العراقية، ولا اخفي انني رغم معرفتي الطويلة بهذا الرجل التي تجاوزت الثلاثة عقود وعلمي بمآثره واستعداده لمساعدة الناس من كل الاجناس والاديان والثقافات منذ كنا في بريطانيا، الا انني فوجئت بحماسه المنقطع النظير وطاقته المتجددة للعمل في اصعب الظروف واخطرها.

يمضي الدكتور امير المختار النهار في وزارة الصحة مؤديا وظيفته كمستشار للوزارة ثم يأتي الى البيت بعد انتهاء الدوام ليستريح قليلا ويتناول طعاما بسيطا جدا ثم يخرج الى مستشفيات العاصمة المتعددة مشاركا زملاءه الاطباء في علاج المرضى والجرحى واجراء العمليات الجراحية معتمدا على خبرة طبية متميزة تجاوزت الاربعين عاما كان معظمها في بريطانيا، ليعود بعد منتصف الليل الى منزله.

اما في ايام العطل فيذهب الى جبهات القتال مع الارهاب كمقاتل وطبيب يداوي الجرحى والمرضى او الى مخيمات النازحين في بزيبز وغيرها. لا يسعى الدكتور المختار الى الشهرة (وقد ينزعج من منشوري هذا) او الى السلطة بل الى تأدية ما يمليه عليه ضميره الوطني والديني.

اكثر لحظاته سعادة هي تلك التي يعمل فيها خارج ساعات عمله المعتادة. عندما يعود الى المنزل في الواحدة ليلا كل يوم يبدو متعبا قليلا، فالرجل في منتصف الستينيات من عمره، لكنه سعيد ومرتاح الضمير وممتلئ بالتفاؤل والاستعداد ليوم عمل جديد. طلبت منه ان يعلن عن نشاطاته هذه كي يعرف بها الاخرون فربما هناك من يحذو حذوه من زملائه الاطباء خصوصا ممن غادروا مهنة الطب العظيمة الى مواقع ادارية ليست بذات الأهمية، فقال ليس لدي الوقت لذلك وانا افعلها لوجه الله تعالى ولا اريد مقابلها جزاء ولا شكورا.

لكنني انبريت بحماسي الصحفي لان استقي منه بعض المعلومات عن نشاطه في إحدى الليالي وعملت منها تقريرا وطلبت منه ان يرسله الى وسائل الاعلام العراقية معززا بالصور فلم يرسله الا الى جهة واحدة هي اعلام وزارة الصحة التي يعمل فيها، وقد نشر التقرير فعلا لكنه اختفى في اليوم التالي بتوجيه من مسؤول اعلى في الوزارة باعتبار ان هذه النشاطات فردية ولم تتم بتوجيه رسمي!!!!!!!

الدكتور المختار غادر عملا مهما في بريطانيا يتجاوز فيه راتبه الشهري ١٥ الف دولار، بالاضافة الى ايراده من العمليات الجراحية الخاصة الذي يعادل او يفوق الرقم اعلاه، وترك عائلته وجاء الى العراق من اجل الخدمة فقط وبدافع حبه لبلده. عمل لمدة عامين تقريبا بمرتب مضحك جدا (حوالي ٧٠٠ دولار في الشهر)!!! لله درك ابا زينب، لو كان لدينا ربع المسؤولين او حتى عشرهم، بإخلاصك وتفانيك وحماسك وشجاعتك وصفاء ضميرك ووضوح رؤيتك واستعدادك للعطاء لكان حالنا افضل بكثير مما هو عليه اليوم. الف تحية لابن الأعظمية، ابن العراق والانسانية البار الجراح الاستشاري المرموق امير المختار.

حميد الكفائي

28/5/2016