ترامب إذ يدعم متشددي إيران

 

المدى، ١٦ نيسان ٢٠١٨

كانت الولايات المتحدة قد اعتبرت الاتفاق النووي مع إيران المعقود في عام 2015 إنجازاً دولياً كبيراً، لأنه جنّب العالم خطر حصول إيران على السلاح النووي ومكّن وكالة الطاقة الذرية من مراقبة التسلح الإيراني عن كثب. إلا أن هذا “الإنجاز” لم يعد كذلك بعد وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، إذ عده نكسة كبيرة للسياسة الأمريكية ونصراً لإيران. فأي الإدارتين على حق؟ إدارة أوباما التي اعتبرته نصراً للأسرة الدولية أم إدارة ترامب التي اعتبرته نصراً لإيران؟

يعتبر الاتفاق النووي من أكثر الاتفاقات الدولية براغماتية، فقد جمع الأضداد (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع روسيا وإيران) في تفاهم يطمئن المجتمع الدولي حول مساعي إيران اكتساب قدرات نووية يمكن استخدامها للأغراض العسكرية، على رغم أن الإيرانيين يصرون على أنه مسعى سلمي لتوليد الطاقة، ويمكّن وكالة الطاقة الذرية من مراقبة المنشآت النووية الإيرانية في فوردو وآراك، ويبقي انتاج اليورانيوم المخصب دون 300 كيلوغرام، ما يحول دون استخدامه لأغراض عسكرية. ومن النواحي أعلاه، يعتبر الاتفاق مكسباً أمريكياً ودولياً. 

 

ولم ينحصر الاتفاق بين إيران والدول الكبرى الموقعة عليه، بل دخل في إطار القانون الدولي، إذ أصدرت الأمم المتحدة القرار 2231 لتنظيمه وإعطته بعداً قانونياً ملزِماً لكافة الأطراف، وتحديده بسقف زمني أمده 10 سنوات ينتهي بعدها ذاتياً بعد أن يكون قد إزال الخطر النووي الإيراني كلياً. لكن مجيء ترامب قَلَبَ كل هذه الموازين إذ تطابق موقفه مع الموقف الإسرائيلي المعادي كلياً لأي دولة في الشرق الأوسط تسعى للحصول على القدرات النووية حتى وإن كانت سلمية. وينظر ترامب إلى السياسات الدولية نظرة موغلة في التبسيط، فالدول بالنسبة له أما شريرة أو خيرة، حسب رؤيته للنظام الذي يحكمها. فقد هدد في خطابه أمام الأمم المتحدة بـ”تدمير كوريا الشمالية” لأنه يختلف مع حاكمها! 

كما ينظر ترامب من زاوية النفع المادي أيضاً، إذ يرى أن الاتفاق مفيد لإيران، لأنه رفع عنها العقوبات الدولية التي كانت كبلت اقتصادها بقيود مدمرة، ومفيد للأوروبيين الذين لديهم مصالح اقتصادية مع إيران، وكذلك لروسيا، حليفة إيران وشريكتها التجارية الكبرى إلى جانب الصين، لكنه لا ينفع الولايات المتحدة التي لا تملتك حالياً أي علاقات اقتصادية أو سياسية مع إيران. كما أنه يهدد إسرائيل، باعتبار أن الخطر الإيراني المحتمل يستهدف إسرائيل بالدرجة الأولى. 

ولكن ماذا يمكن إدارة ترامب أن تفعله الآن تجاه هذا الاتفاق؟ التصعيد مع إيران لن يحل المشكلة بل يزيدها تعقيداً لأنه يعزز كفة المتشددين الذين ضعفوا كثيراً منذ تولي حسن روحاني الرئاسة. إعلان الحرب على إيران ومحاولة إسقاط النظام لن تنجح بل تزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً مع وجود شعب إيراني معبأ ضد أمريكا والغرب، كما إنها ستقود إلى وقوف دول وشعوب كثيرة مع إيران. والغريب أن ترامب كان يدعو إلى الحد من الاهتمام بالعالم الخارجي والتركيز على السياسة الداخلية وذكر مفاخراً انه وقف ضد الحرب في العراق وأفغانستان. كما إنه لا يحمل أي أيديولوجية تغييرية، كما كان جورج بوش مثلاً، بل يتركز اهتمامه ومعرفته على السياسة الاقتصادية فحسب، وهذا وحده لا يكفي للزعامة السياسية خصوصا لدولة عظمى كالولايات المتحدة. 

اتسمت سياسات ترامب بالتخبط منذ توليه الرئاسة، بل منذ بدء حملته الانتخابية، وذلك لقصر خبرته السياسية وعدم وضوح الأهداف التي يتبناها، باسثناء رغبته في أن يصبح رئيساً. لقد عيَّن في عامه الأول وزيرين للخارجية وثلاثة مستشارين للأمن القومي، وهذا غير مسبوق تأريخياً، وانتهى به الأمر إلى تعيين صقرين متشددين، هما مايك بومبيو وزيراً للخارجية وجون بولتن مستشاراً للأمن القومي، وكلا الرجلين معاديان لإيران ويتبنيان إطاحة النظام.

قد تتخذ إدارة ترامب قراراً بالانسحاب من الاتفاق الشهر المقبل، لكن مثل هذا الانسحاب سيكون مخالفة لقرار الأمم المتحدة وتعليمات وكالة الطاقة الذرية التي تؤكد التزام إيران بالاتفاق، وافتراقاً مع الحلفاء الأوربيين المتمسكين بالاتفاق، واصطداما مع روسيا المتحالفة مع إيران. والأخطر من كل هذا إنه يزيل الرقابة الدولية عن البرنامج النووي الإيراني، ويقوي سلطة المتشددين في إيران ويعيق الانفتاح وتطور النظام السياسي الذي يطالب به غالبية الإيرانيين. الموقف الأسلم بالنسبة لواشنطن هو التمسك بالاتفاق النووي الذي تلتزم به إيران ودول الاتحاد الأوروبي الثمانية والعشرون ومعها تركيا وصربيا، ثم العمل على انتزاع تنازلات أخرى من إيران بخصوص الصواريخ البالستية وإيقاف تدخلاتها في دول المنطقة. 

الحوار مع إيران ممكن خصوصاً وأنها تعاني من أزمات داخلية واحتجاجات شعبية بسبب المقاطعة الدولية وتبديد الأموال في حروب ونشاطات خارجية. مثل هذا الحوار سوف يعزز مواقف الإصلاحيين ويضعف المتشددين، ويشجع الشعب الإيراني على المطالبة بمزيد من الانفتاح على العالم والتركيز على حل المشاكل الداخلية بدل المغامرات الخارجية، وهذا ما سعت إدارة أوباما إليه، على رغم أنها أبقت القيود المفروضة على التعامل المصرفي مع إيران ما أغضب الأوروبيين الذين رفعوا العقوبات فورا وبدأوا يتعاملون تجارياً معها، لكن إبقاء العقوبات الأمريكية أعاق تعاملاتهم معها. الجعجعة والتهديد بالحرب سوف ينقذ النظام الإيراني المحاصر داخليا وسيكون هدية ثمينة يقدمها ترامب وبومبيو وبولتن له. 
من غير المتوقع من ترامب وبومبيو وبولتن، الذي شاع عنه وصف (ثور هائج في دكان خزف صيني)، أن يسلكوا طريقاً سليماً. فهؤلاء ليسوا سياسيين حقيقيين، بل متطرفون وغير قادرين على اتخاذ القرار الذي يخدم المصلحة الأمريكية البعيدة الأمد. كان ترامب يعارض السياسات التي يتبناها بومبيو وبولتن، لكنه قربهما الآن لأنهما يشاطرانه التطرف والميل إلى المواجهة بدلا من الحلول الدبلوماسية. وحتى الصقر تيلارسون لم يصمد مع ترامب طويلا بل أقيل لأنه يؤمن بأسبقية الطرق الدبلوماسية على غيرها. 
لقد استفاد النظام الإيراني كثيراً من سياسة الاحتراب مع الدول الأخرى خصوصاً (دول الاستكبار)، وأي مواجهة عسكرية ستكون في صالحه. الانفتاح على إيران هو السياسة الأفضل لأنها تدفع الشعب الإيراني التواق إلى الحرية إلى المطالبة بمزيد من الإصلاحات التي ستغير النظام من الداخل بعد أن يرى منافع الانفتاح. أما التشدد فسوف يعزز سلطة المتشددين ويطيل في عمر النظام.

حميد الكفائي 

http://almadapaper.net/Details/209835/ترامب-إذ-يدعم-متشددي-إيران