تعصب مسعود برزاني أضاع فرصة نادرة لتوديع الرئيس جلال طالباني

8/10/2017

كان يفترض أن يُشيع جثمان الرئيس جلال طالباني في بغداد وأن يكون التشييع مناسبة عالمية يحضرها زعماء دول كثيرة، كما حصل في تشييع كثير من زعماء العالم، وعندها كان سيفخر الكرد بأن رجلا كرديا بلغ هذه الأهمية العالمية واصبح رئيسا لدولة معظم سكانها ليسوا من الأكراد بل من العرب… إلا أن التعصب الأعمى لبعض قادتهم جعلهم يفوّتون هذه الفرصة النادرة التي لن تتكرر، ويشيعونه محليا في السليمانية ويوشحون جثمانه ليس بعلم الدولة التي كان رئيسا لها بل بعلم محلي يمثل جزءا صغيرا من تلك الدولة.

 لقد أضر الأكراد بأنفسهم وقضيتهم كثيرا عندما شيّعوا طالباني كزعيم كردي محلي… كما أضاعوا فرصة الاحتفاء بحياة زعيم كردي كزعيم لدولة غير كردية (دولة ذات غالبية عربية) وهذه فرصة نادرة في التأريخ… حجّموا طالباني وصغروه بدلا من أن يفخروا بإنجازاته كزعيم عراقي وعالمي! من الطبيعي جدا ان يُحتفى به كزعيم كردي كباقي الزعماء الأكراد المحليين، ولكن من الاستثنائي والنادر أن يُحتفى بكردي كزعيم دولة كبيرة غير كردية مثل العراق… كان بالإمكان أن يُصبح تشييع جثمان الرئيس طالباني مناسبة عالمية تشارك فيها شخصيات دولية، لكنهم أضاعوا الفرصة، وأي فرصة أضاعوا!

 التعصب لم ينفع أحدا عبر التأريخ فلماذا يتمسك به البعض؟ والكراهية تألب العالم ضد من يشعربها، وهذا ما حصل للقضية الكردية خلال السنوات الماضية بسبب اعتماد من تصدى للقيادة على الكراهية طريقا لتقرير المصير بدلا من الوئام والانسجام والتعاون. لن ينفع الأكراد تأييد إسرائيل المنبوذة عربيا وإسلاميا وعالميا، ولا تأييد بضعة مستشارين أمريكيين يتسلمون رواتب سرية من أموال الشعب الكردي…

قادة  الكرد حرموهم من فرصة نادرة، فبدلا من أن يشيِّع قادة العالم الرئيس طالباني، شيعه رئيس الإقليم المنتهية ولايته مسعود برزاني

 البعض يقول إن القادة الأكراد لم يقدروا حجم الاستياء الذي سيتركه مثل هذا الإجراء الذي اتخذوه في تشييع جنازة الرئيس طالباني! هذا ليس صحيحا في رأيي، وهو ربما ينطلق من حسن الظن أكثر من الواقع… إن كانوا فعلا لم يقدروا حجم الفرصة الضائعة فهم بسطاء جدا، وأنا لا ارجح هذا…

اعداء الكرد فرحوا أن طالباني شُيّع كزعيم كردي وليس كرئيس عراقي لتسع سنوات… الخاسرون هم الأكراد بالدرجة الأولى، أما باقي العراقيين فكانوا سيستفيدون أيضا من هذه المناسبة لو تحولت إلى مناسبة عالمية لأنها كانت ستعبر عن التآلف القومي والطائفي والتماسك الوطني في العراق…

لقد كانت فرصة ضائعة أخرى وما اكثر الفرص الضائعة في العراق هذه الأيام بسبب سوء الإدارة والتصرف الذي (يتحلى) به القادة… اعتقد بأن هذا التشييع بالطريقة التي حصل فيها كان مخططا له، وأن لـ (الرئيس) مسعود برزاني دورا في إخراجه بهذا الطريقة الهزيلة التي لا تليق برئيس دولة مهمة كالعراق..  من المعروف أن برزاني خصم لدود لطالباني، فهو الذي استنجد بصدام عام 1996 عندما عجز عن مواجهته، وهو بالتأكيد لا يريد له أن يبدو زعيما يفوقه حجما ومنزلة، وهذا ما كان التشييع العراقي العالمي سيجعله في نظر الأكراد والعراقيين والعالم وكان سيغضب برزاني دون شك.

 الحقيقة أن طالباني شخصية سياسية كبيرة رغم الكثير من المؤاخذات على سجله في الحكومة والمعارضة، فليس هناك (معصوم) عن الخطأ. لكنه كان رجلا متمكنا جدا وقد صنع مجده بنفسه وليس كبرزاني الذي ورث الزعامة عن ابيه ويعتقد بأنها حق له ورثه عن آبائه وأجداده وسوف يورثه لأبنائه وأحفاده… مثل هذا التفكير لا يصنع دولا قوية والزعامات الناجحة هي التي تعتمد على قدرات الأفراد الخلاقة ومبادئهم السامية وأفكارهم البناءة، وليس بالضرورة على الفرصة التي تتاح لهم بحكم صدفة الولادة…

العلم والزعامة والصفات والمهارات القيادية لا تُورَّث بل تُكتَسب، ومسعود برزاني للأسف لم يكتسب أي صفات قيادية تؤهله لتأسيس دولة أو قيادة شعب. الكرد شعب عريق ولديه طاقات كبيرة ويمكنه أن يقيم دولة مسالمة ومنتجة ونافعة ولكن يحتاج إلى القيادة الفذة التي ستوصله إلى هذا الهدف، علما أن إنشاء الدولة لم يعد الطريقة المثلى لخدمة الشعوب، بل اصبح الانضمام إلى تجمعات دولية قوية اقتصاديا وعسكريا هو العامل الذي يحفظ للشعوب مصالحها وحرياتها وثقافاتها وهذا هو التوجه السائد في العالم منذ نهاية القرن الماضي…

الدولة الكردية، إن قامت في الوقت الحاضر، فإنها لن تخدم الكرد بل تخدم أشخاصا وعائلات معينة لأنها ستحولهم إلى زعماء فوق القانون والمحاسبة، لكنها، مع ذلك، تبقى حقا للكرد شريطة توفر المقوِّمات وعدم وجود معوِّقات تجعل منها وبالا على أهلها.

حميد الكفائي