عشر خطوات لحل المشكلة العراقية
الحياة، ٢٢ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٧

يتوهم سياسيون عراقيون أن الإصلاح يتطلب تفاوضاً مع جهات سياسية من مكونات أخرى معارضة للنظام. المسألة لا تتطلب اتفاقاً مع جهات سياسية أو مكونات اجتماعية أو دينية محددة، بل رفع الظلم وتحقيق العدالة لكل العراقيين. الأسباب التي قادت إلى تدهور الأمن والاقتصاد والخدمات وتسببت في حرب أهلية مدمرة راح ضحيتها مئتا ألف بريء خلال 14 عاماً، لم تعد خافية على المهتمين بالشأن العراقي، ولا أحسب أنها عصية على فهم الطبقة السياسية الحاكمة، والمطلوب جدية في إنهاء المأساة واستعداد لتحمل النتائج.

المشكلة الأساسية ليست خلافاً بين مكونات مجتمعية أو أحزاب سياسية كي يتمكن المختلفون من التفاوض حولها والتوصل إلى حلول ترضي الطرفين، بل نهج خاطئ سارت عليه الدولة العراقية منذ تأسيسها أدى إلى تفاقم الأوضاع التي ازدادت تأزماً بعد 2003 نتيجة ضعف الدولة وعجزها عن تطبيق القانون وحماية المواطنين. أي كلام عن «تسوية» من دون تقديم تنازلات حقيقية تتضمن التخلي عن مكاسب حصل عليها سياسيون من دون وجه حق، وإعادة حقوق مشروعة سُلبت بالقوة، لن يكون حلاً جاداً للمشكلة العراقية.

لقد بات ضرورياً اتخاذ خطوات عاجلة لوقف التدهور، وأولى هذه الخطوات تعديل الدستور وإزالة الغموض في مواده وإلغاء المواد التي تخل بمبادئ الديموقراطية أو تعطي حقوقاً لشريحة على حساب أخرى. يجب أن يمثِّل الدستور العراقيين جميعاً وألا «يجامل» شريحة مجتمعية على حساب أخرى مهما كانت المسوِّغات. المظلومية ليست مبرراً للتمييز، وليس من العدل أن تحصل مجموعة على حقوق غير متوافرة للمجموعات الأخرى. المساواة بين المواطنين جميعاً أمام القانون هي الحجر الأساس لاستقرار الدولة الحديثة وهي تتطلب نظاماً محايداً ينصرف فيه رجال الدين إلى عملهم الأساسي، وهو ترسيخ القيم السماوية في السلم والعدل والتسامح، بينما ينصرف السياسيون إلى التنافس حول أفضل الطرق والبرامج لإدارة الدولة وتحسين حياة الناس وحفظ حقوقهم وحماية حرياتهم. يجب أن يحظر الدستور تأسيس الأحزاب على أسس دينية أو طائفية أو قومية، بل تكون وطنية عابرة للطوائف والقوميات. من الضروري أن يخلو الخطابان السياسي والديني تماماً من التحريض على الكراهية والعنف والعنصرية والطائفية وكل ما يناقض حقوق الإنسان ومبادئ الديموقراطية.

الخطوة الثانية هي حظر كافة الميليشيات التي تكاثرت في شكل مقلق منذ حزيران (يونيو) 2014، إذ استغلت قوى سياسية فتوى «الجهاد الكفائي» التي أطلقها المرجع الديني علي السيستاني إثر انهيار الجيش وسقوط الموصل بأيدي «داعش»، لتشكل ميليشيات مسلحة (لمحاربة داعش)، لكن بعضها أصبح يستخدم لأغراض سياسية وأحياناً جنائية، إذ أخذ يمارس القتل والخطف والإرهاب. لقد قُتل وخُطف كثيرون بينما سُلبت ممتلكات آخرين ولم تتمكن الشرطة من القبض على الفاعلين.

وعلى رغم أن هذه الجماعات المسلحة منضوية رسمياً تحت عنوان «الحشد الشعبي»، فالأخير ليس مؤسسة متماسكة لأن مكوناته تتحرك بإستقلال تام عن بعضها، وقادتها سياسيون مستقلون فعلياً وإن كانوا رسمياً خاضعين للقائد العام للقوات المسلحة. لا يمكن الدولة أن تطبق القانون بوجود جماعات مسلحة أصبحت تقلق المجتمع وتزعزع الاستقرار. لقد استعاد الجيش العراقي قدراته ومعنوياته بفضل التدريب والدعم الدوليين والإسناد الشعبي وتنامي الروح الوطنية لدى العراقيين لشعورهم بخطر «داعش» عليهم جميعاً، لذلك لم تعد هناك حاجة لجماعات مسلحة غير منضبطة موازية للجيش، خصوصاً أن القوات النظامية أصبحت قوة ضاربة تمكنت من إلحاق الهزيمة بالجماعات الإرهابية في صلاح الدين والرمادي والفلوجة والموصل.

الخطوة الثالثة هي إلغاء قانون «المساءلة والعدالة» الذي ظلم شريحة واسعة من المهنيين والإداريين والخبراء والأكاديميين والعلماء والضباط. والرابعة هي أن تتخلى الأحزاب عن الامتيازات المكتسبة خلافاً للقانون كالمنازل والمباني التي استولت عليها منذ 2003 ويجب عليها أن تدفع تعويضات للدولة أو لأصحابها الأصليين كي تتحقق العدالة وتستعيد الدولة هيبتها.

الخامسة هي إلغاء «المنطقة الخضراء» ودمجها ببقية أحياء العاصمة. لقد خلقت «الخضراء» جداراً صينياً بين الناس والحكومة وهذا لا ينسجم مع نظام يدعي الديموقراطية. لقد وعد حيدر العبادي بتفكيكها لكنه لم يفعل، بل فتح شارعاً واحداً ما زال المرور فيه صعباً لكثرة نقاط التفتيش واقتصاره على السيارات الصغيرة.

السادسة هي إعادة النظر في التعيينات في مؤسسات الدولة منذ 2003 وإيكال الأمر إلى لجان مهنية محايدة. لم تقُم تلك التعيينات على أسس عادلة بل وفق أهواء المتنفذين الذين جاؤوا بأقربائهم وأصدقائهم وأتباعهم غير الأكفاء لملء المناصب المهمة. عدد منتسبي وزارة الخارجية مثلاً أصبح ستة آلاف بعد أن كان 1500، وكثيرون منهم أبناء وأصهار وأقارب كبار المسؤولين.

السابعة هي إلغاء التفاوت في الرواتب بين المؤسسات المختلفة وتقليص الفوارق الهائلة بين رواتب المسؤولين وموظفي الدولة. هناك وزارات وهيئات، مثل أمانة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية والبرلمان ووزارة النفط والهيئات المستقلة ومكاتب المفتش العام، تدفع مخصصات تصل إلى ضعف السائد في المؤسسات الأخرى، وقد خلق هذا شعوراً بالتمييز بين المواطنين.

الثامنة هي اتخاذ إجراءات عملية صارمة لتقليص الفساد عبر إزالة أسبابه ومنها تركز الصلاحيات بأيدي المسؤولين الكبار وصعوبة حصول المواطنين على حقوقهم الأساسية، ما يجلعهم عرضة لاستغلال المسؤولين الفاسدين.

التاسعة هي تنمية القطاع الخاص وتنظيمه وإيكال معظم المهمات التي تؤديها الدولة حالياً إليه. وأخيراً سن قانون منصف للضمان الاجتماعي يعالج مشكلة الفقر جذرياً عبر إجراءات عصرية مدروسة لتوزيع الثروة بعدالة بدلاً من نظام البطاقة التموينية البدائي المتهرئ.

حكومة المحاصصة غير مؤهلة لإجراء هذه الإصلاحات لأن مكوناتها غير مستعدة للتخلي عن مكتسباتها. لذلك أصبح ضرورياً تأليف حكومة تكنوقراط مستقلة ومدعومة دولياً لتنفيذها. لو كانت القوى السياسية جادة في بناء دولة عصرية منصفة لكانت قد سلكت الطرق المؤدية إليها. العراقيون فقدوا الثقة بقادة لا يترددون في انتهاك القانون والتجاوز على الممتلكات العامة والخاصة وتبديد المال العام وتوزيع المناصب على الأقارب والأتباع واستغلال الدين لتبرير أفعالهم، بينما وصلت نسبة الفقر بين العراقيين إلى 35 في المئة. إنه وضع غير قابل للاستمرار ولا بد أن يقود إلى مزيد من الإضطراب والتدهور.

http://www.alhayat.com/Opinion/Writers/19735516/%D8%AA%D8%B3%D8%B9-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D9%84%D8%AD%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B4%D9%83%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9—