اختطاف أفراح شوقي إذ يوحد العراقيين

الحياة، ٨ يناير/كانون الثاني ٢٠١٧

صُدِمَتْ الأوساط الإعلامية والسياسية العراقية قبل أسبوعين عندما اختطف مسلحون (مجهولون) الصحافية والموظفة في وزارة الثقافة، أفراح شوقي. وبالقدر نفسه، صُدم خاطفوها بوحدة الشعب العراقي إزاء هذه الجريمة وقوة الاحتجاجات المطالبة بإطلاق سراحها، إذ احتشد آلاف المحتجين في بغداد والمحافظات في تظاهرات يومية صاخبة، مرددين شعارات تندد بالأحزاب الحاكمة.

رئيس الوزراء، حيدر العبادي، استنفر القوات الأمنية في إجراء سريع على غير العادة لإنقاذ حياة الصحافية المخطوفة. وتحت هذا الضغط الشعبي العارم، اضطر الخاطفون، الذين يعتقد بأنهم ينتمون إلى أحد الأحزاب السياسية، إلى إطلاق سراحها بعد تسعة أيام من الاحتجاز. ووفق ما روته شوقي، فإن الخاطفين خففوا من قسوتهم معها في اليوم الرابع للاختطاف بعد أن فوجئوا بالاستياء الشعبي الواسع من خطف امرأة آمنة بريئة. لم يخشَ المحتجون، الذين يقودهم صحافيون وكتاب وفنانون معروفون، من مصير مماثل لزميلتهم على أيد مسلحين عتاة، بل رددوا شعاراً مفاده «دعونا نصبح جميعاً ضحايا، فنحن نموت يومياً».

ومبعث الصدمة هو أن المختطفة امرأة لم تهدد أحداً ولم ترتكب جرماً أو مخالفة تستدعي إجراءً همجياً كهذا، سوى أنها انتقدت في كتاباتها، كبقية الكُتّاب والصحافيين، الأوضاع السيئة في البلد والأخطاء التي يرتكبها المسؤولون، وما أكثرها. والأمر المستهجن الآخر أنها اختُطِفت من منزلها وأمام أعين نجليها اليافعين. الأعراف العامة تستهجِن أي اعتداء على المرأة، خصوصاً إن لم تقم بعمل يبرر الاعتداء أو يخفف من وطأته، ما أثار رد فعل غاضب تجلى في احتجاجات عارمة كانت ستزداد ضراوة لو لم يُطلَق سراحُها.

قضية اختطاف أفراح شوقي برهنت من جديد على أن الانقسام الطائفي المجتمعي، الذي يطبل له ويتاجر به سياسيون كثيرون، ليس موجوداً في وجدان الناس، وأن الشعب العراقي قادر على التوحد عند الضرورة، وكما توحد ضد الإرهاب في الرمادي والموصل وصلاح الدين، فإنه توحد ضد سطوة الجماعات المسلحة في بغداد ومحافظات الجنوب، التي تحتقر الدولة والقانون ولا تتردد في ارتكاب الجرائم باسم الدين أو المذهب. لقد هبّ الشارع (الشيعي) منتفضاً على جريمة اختطاف أفراح شوقي (السنية)، التي كتبت قبل اختطافها بيوم مقالاً ينتقد بشدة اعتداء احد المسؤولين على مديرة مدرسة (شيعية) جنوب العراق.

وقبل اختطاف شوقي بيومين، عُثر على جثة الشاب علي الخفاجي ذي الأربعة عشر ربيعاً، الذي كان مخطوفاً، ولم يتضح سبب الخطف أو القتل. وعلى رغم بشاعة الجريمة، فإنها لم تستقطِب الاحتجاجات التي استقطبها اختطاف أفراح شوقي، والسبب أن الأولى كانت جريمة هدفها أخذ الفدية من عائلة المخطوف، وطالما قتل خاطفون ضحيتهم بعد تسلم الفدية خوفاً من أن تطاولهم العقوبة بعد اكتشاف هوياتهم. لكن الثانية كانت اعتداءً صارخاً على المرأة والصحافة والحرية في آن، أي أنها قضية تهُم العراقيين جميعاً وتهدد كل ما تحقق من إنجازات في مجال الحريات العامة، إذ اعتبرها المحتجون اعتداء على الناس جميعاً كما قال أحد الشعارات: «ما يحصل لأفراح يحصل لنا جميعاً».

كما برهنت تلك الاحتجاجات للأحزاب السياسية والجماعات المسلحة والعالم أجمع أن صبر العراقيين بدأ ينفد فعلاً وأنهم لن يسكتوا على التجاوزات المتزايدة على القانون والحريات العامة والخاصة. بإمكان رئيس الوزراء، الذي اتخذ موقفاً متسقاً مع المزاج الشعبي العام، أن يستثمر هذا الاستياء في مواجهة الجماعات المسلحة التي تختبئ تحت يافطة محاربة الإرهاب، بينما يمارس بعضها إرهاباً وترهيباً من نوع آخر. وعلى رغم اشتداد الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية على رئيس الوزراء، فإنه يصبح أقوى من السابق إن أحسن استثمار الاستياء الشعبي من الأحزاب والجماعات المسلحة، والتأييد الدولي المساند للعراق في حربه على تنظيم «داعش» لاستعادة الموصل. لقد استغل سلفه نوري المالكي ظرفاً مشابهاً عام 2008 وضرب المليشيات المسلحة بقوة وحقق حينها شعبية كبيرة.

لكن العبادي، الذي فاتته فرص سياسية ثمينة في السابق، منشغل بمحاربة «داعش» في الموصل ولن يستطيع أن يتخذ موقفاً صارماً من الجماعات المسلحة حتى تحرير الموصل كلياً، وعندها يمكنه أن يتخذ موقفاً مغايراً. يدرك العبادي تماماً أن هناك من يسعى إلى إسقاطه عبر زعزعة الأمن وقد عبّر عن ذلك صراحة قبل أيام، قائلاً إن من يريد إسقاطه عليه أن يفعله عبر البرلمان وليس عبر ترويع الناس، معتبراً الهدف من أعمال الخطف والقتل هو إشغال قوى الأمن عن محاربة الإرهاب والجريمة. سيحتاج العبادي في هذه المهمة إلى دعم سياسي غير متوافر حالياً لأن حزب الدعوة الذي ينتمي إليه منقسم عملياً بين تيار داعم له «بشروط» وآخر موال لسلفه نوري المالكي. ويواجه الحزب، وهو أقدم الأحزاب الإسلامية العراقية وأكثرها تنظيماً وانضباطاً، تحدياً ربما الأخطر في تاريخه، فهو يعاني من أزمتين في آن هما الانقسام الداخلي وتوحد خصومه ضده. لقد خلق تمسك المالكي بزعامة الحزب بعد تنحيه عن رئاسة الحكومة، شرخاً كبيراً داخل الحزب وكتلة «دولة القانون» وأضعف موقف رئيس الوزراء أمام الأحزاب المنافسة له. فليس بإمكان أي رئيس وزراء أن يعمل بكفاءة إن كان هناك من هو أعلى منه رسمياً في حزبه أو الكتلة البرلمانية المؤيدة له. لذلك جرت العادة في دول العالم أن يغادر زعيم الحزب موقعه مع مغادرته رئاسة الحكومة.

وضوح الأهداف ووحدة الموقف اللذان تميز بهما الشارع العراقي أثناء اختطاف أفراح شوقي غائبان عن المشهد السياسي العراقي عموماً وحزب الدعوة وكتلة دولة القانون تحديداً، وما لم يتوحدا خلف رئيس الوزراء فإن وضعهما سيكون ضعيفاً في الانتخابات المقبلة. المتوقع أنهما لن يتوحدا بسب تمسك المالكي بزعامة الحزب وائتلاف «دولة القانون» وسعيه إلى البقاء في الساحة السياسية الذي سيكون على حساب رئيس الوزراء. الأحزاب الدينية الأخرى ليست أفضل حالاً، فهي تعاني من دكتاتورية الفرد (أو العائلة) والتناحر والتخبط وتناقص التأييد الشعبي، بينما الأحزاب العلمانية ما زالت عاجزة عن تقديم البديل واستثمار الظروف السياسية المواتية لمصلتحها بسبب غياب البرنامج السياسي والقيادة الموحدة أو الآلية المناسبة لتنسيق جهودها.

http://www.alhayat.com/m/opinion/19483501#sthash.dKycgWXc.dpbs