البرلمان رمز قوتنا
المدى 10 أيار 2016 

خلال الأعوام القليلة الماضية تشن منظمات ووسائل إعلام مدعومة من جهات معينة حملة لتشويه صورة البرلمان عند الرأي العام بحجة وجود الفساد والأنانية والامتيازات غير المبررة لأفراده وما إلى ذلك.

مثل هذا المسعى ليس في صالح الشعب العراقي رغم أن كثيرا مما قيل بخصوص الامتيازات والرواتب التقاعدية وغيرها صحيح ولكن بالإمكان إصلاحه أو تعديله عبر البرلمان نفسه. الإيغال في تشويه صورة البرلمان، وهو الجهة التي تمثل الشعب العراقي تمثيلا حقيقيا باعتبارها منتخبة مباشرة من الشعب، سيعود بالضرر الفادح علينا وقد تمتد آثاره لعدة عقود على أقل تقدير.

 نعم قد يشرِّع البرلمان قوانين خلافية وقد يسعى بعض الأعضاء لخدمة مصالحهم الذاتية، فهم بشر في نهاية المطاف وحديثو العهد بالنظام الديمقراطي، لكن علينا أن نفرِّق بين البرلماني الفرد ومؤسسة البرلمان. فالبرلماني إن كان لا يتمتع بالكفاءة والنزاهة فإن بإمكاننا تغييره في الانتخابات المقبلة واستبداله بأفضل منه، لكن مؤسسة البرلمان يجب أن تبقى شامخة وقوية وفاعلة لأنها الصرح الذي أسسه الشعب لتمثيله وتشريع القوانين التي تنظم حياته والمصادقة على الحكومة التي تتولى إدارة شؤون الدولة والمجتمع وتسعى لرعاية مصالحه في الداخل والخارج.

 كل من يحاول الانتقاص من البرلمان كمؤسسة إنما يسعى إلى الانتقاص من الشعب العراقي ومن نظامه الديمقراطي ثم تدمير مستقبل العراق الذي يعتمد تطوره ورخاؤه على وجود الديمقراطية التي يمثل البرلمان أهم ركائزها. لم يتطور أي من شعوب الإرض في ظل نظام دكتاتوري، بل إن الدكتاتورية دمرت بلدانا متطورة كألمانيا واليابان لتنقذهما الديمقراطية بعد الحرب العالمية الثانية وتطوِّرهما إلى ما هما عليه الآن.

 لقد استخدم أفراد واهمون أو مغرضون، وجهات عراقية وأجنبية معينة مشكوك بإيمانها بالديمقراطية ورغبتها في تطور العراق ومغادرته أوضاعه غير المستقرة حاليا، أساليب ملتوية وطرقا خبيثة من أجل أن يقترن البرلمان بالفساد والأنانية وربطوا بين الفساد، السائد في المؤسسات العراقية، وبين البرلمان والهدف من ذلك، سواء كان عن قصد أو دونه، هو تقويض تجربتنا الديمقراطية وتدمير كل أمل لنا بدولة عصرية قوية منصفة لكل مواطنيها.

 الفساد موجود في كل مؤسسة وهو لا يقتصر على العراق بل يوجد في بلدان أخرى خصوصا في البلدان التي تمر في مرحلة انتقالية كما هو حالنا، نعم البرلمان يتحمل جزءا من المسؤولية ولكن يجب ألا نلقي باللائمة على البرلمان فقط ونهاجمه كمؤسسة لأن الفساد هو جزء من الحالة العامة في البلد ويجب أن يضطلع الجميع في محاربته.

 البرلمان هو نحن، نحن الأقوياء، ونحن الديمقراطيون ونحن الوطنيون ونحن الفاعلون ونحن المتحضرون. إنه وسيلتنا للنهوض بالمجتمع العراقي وتحويلِه إلى مجتمع واعٍ ومسؤول وحيوي، وهو وسيلتنا للتطور والانخراط في المجتمع الدولي وتعزيز قدرات العراق الاقتصادية والعلمية والتقنية. وهو وسيلتنا لتطوير علاقات العراق العربية والدولية من أجل أن يكون مصدر إشعاع وخير للمنطقة والعالم.

 البرلمان هو الإنجاز الأهم الذي تحقق بعد ٢٠٠٣، وعندما أقول الأهم إنما أعني أن كل الإنجازات التي تحققت، من حرية شخصية وتطور اقتصادي وارتفاع في مستوى المعيشة وتشريع قوانين منصفة، إنما حصل كنتيجة مباشرة لوجود النظام الديمقراطي البرلماني. أعضاء البرلمان هم الأشخاص الذين انتخبناهم وائتمناهم على مستقبلنا ومقدرات بلدنا وأنطنا بهم تنظيم مجتمعنا وتشريع القوانين العادلة له، فإن كان بعضهم لا يتمتع بالنزاهة والكفاءة التي نتوقعها، وهذه حقيقة، فإن بإمكاننا إزالة هؤلاء في الانتخابات المقبلة عبر التصويت لمن هم أكفأ وأفضل منهم. فلنحافظ على هذا الإنجاز ولا ننجر وراء الدعوات المشبوهة التي لا تريد لنا الخير وتسعى إلى تشويه نظامنا السياسي الذي اخترناه بانفسنا وأصبح يرمز إلى كرامتنا وحريتنا وقوتنا.

حميد الكفائي

 http://www.almadapaper.net/Ar/news/509643/%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86-%D8%B1%D9%85%D8%B2-%D9%82%D9%88%D8%AA%D9%86%D8%A7