الأخوة الأعزاء

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أولا أرحب بكم في هذا المجلس المبارك الذي اجتمعنا فيه اليوم لنتذكر المرحوم السيد مضر السيد حسين السيد حسن السيد هادي الكفائي، الأستاذ والشاعر والمثقف الموسوعي والإنسان ذا الأخلاق الرفيعة والتواضع الجم، الأب الذي بذل الغالي والنفيس في تربية أبنائه وبناته وتعليمهم وزرع الأخلاق الحميدة فيهم، وليس غريبا أن نرى أبناءه الستة جميعا ناجحين ومتميزين في حياتهم المهنية، بين مهندس وطبيب. والأهم من ذلك أنهم متآخون متحابون ومتعاونون بشكل لافت، ولكن لا غرابة أبدا فمن عرف المرحوم جيدا سيجد أن ذلك أمر طبيعي.

تعرفت على السيد مضر عام 2000 عند مجيئه إلى بريطانيا أولَ مرة وكان التعارف عبر نجله الدكتور رياض الكفائي الذي تعرفت عليه أواسط التسعينيات وكان الفضل طبعا له فهو الذي بحث عني واتصل بي…

وقد وجدت الرجل مثقفا ومتواضعا ومحبا للناس جميعا ومعتزا بثقافته ودينه مع شديد الإحترام لثقافات الآخرين وطبائعهم ومتبنياتهم، وهذا صدقوني ليس من باب (أذكروا محاسن موتاكم) رغم أهمية هذه المقولة وصحتِها، ولكن من باب ذكر الحقائق… في بيته الصغير اجتمع العراقيون جميعا من عرب وأكراد وتركمان وسنة وشيعة وهذه حقيقة ولا أريد الخوض في التفاصيل وليس له وحده الفضل في ذلك فهذه من الصفات المتأصلة للعائلة… وما التنوع الذي ترونه اليوم في هذا المجلس إلا دليل على سعة أفق ذلك الرجل وتسامحه وإنسانيته العالية….

ولد الفقيد عام 1938 في الحلة وهي المدينة التي اختارها جدُ أبيه السيد هادي السيد نور الدين ابوگفاية عندما غادر موطن العشيرة الأساسي في المنطقة الواقعة بين الرميثة والديوانية التي لا يزال يستقر فيها معظم أبناء هذه العشيرة… وقد ترسخت جذور العائلة في الحلة وارتبطت بقرابات عائلية مع عوائل حلية معروفة كالسادة آل وتوت وعائلة البراك، إذ كان السياسي المعروف سلمان البراك عديلا لجده السيد حسن…. وهو أحد ثلاثة أخوة، الأخوان الكبيران، وهما سالم ومهلهل، اختارا الخدمة في الجيش وقد ترقى السيد سالم في الجيش حتى بلغ رتبة عميد بحري قبل أن يتقاعد في مطلع الثمانينيات، أما السيد مهلهل فقد توفي صغيرا وكان برتبة نقيب.

اختار السيد مضر حقل التعليم مهنةً إذ تخرج من دار المعلمين العالية ببغداد أواخر الخمسينيات ليعمل معلما في مدارس الحلة ثم مديرا لثلاث مدارس في الحلة أيضا، مستمرا في الخدمة لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد إحالته على التقاعد عام 1986، افتتح مكتبة عامة في شارع 40 في الحلة ووضع فيها كل الكتب الموروثة من العائلة بالإضافة إلى ما جمعه هو من  كتب، موسعا المكتبة لتكون مجلسا ثقافيا يجتمع فيه المثقفون والأدباء بشكل يومي ويناقشون قضايا ثقافية وتراثية وتأريخية وإن اختلفوا في شيء استعانوا بالكتب المحيطة بهم لحل الإشكال… وقد افتتح في جانب من المحل نفسِه محلا لبيع القرطاسية والمستلزمات الدراسية كي يمول نشاطات المكتبة والمجلس. ويعتبِر السيد مضر تلك المرحلة من المراحل المثمرة والممتعة في حياته إذ تمكن خلالها من الدخول في عمق الثقافة والأدب والتراث والتاريخ… بالإضافة إلى كونها ممتعةٌ إذ تمكن من جمع هواياته وعمله في مكان واحد جامعا من حوله المثقفين والأدباء.

ومع مطلع التسعينيات انحسر ما تبقى من فسحة للحياة في العراق إذ تفاقمت المشاكل التي كانت قائمة سابقا وازدادت الحياة ضيقا وصعوبة، والأسباب كثيرة ومعروفة منها العقوبات الدولية المفروضة على العراق بالإضافة إلى تعسف أجهزة النظام مما أدى إلى تنامي هجرة العقول والكفاءات إلى الخارج. وبعد أن غادر معظم أفراد العائلة إلى أوروبا في مطلع التسعينيات، قرر السيد مضر الالتحاق بهم وقد تمكن من المجيء إلى بريطانيا مع زوجته عام 2000 بدعوة من ابنه المقيم في بريطانيا الدكتور رياض ليستقر نهائيا في هذا البلد.

وفي بريطانيا، تمكن من الاندماج بسرعة في المجتمع العراقي البريطاني واختار منطقة ميدافيل القريبة من المراكز الاجتماعية والدينية العراقية في لندن … أتذكر أنه زارني ذات مرة في مقر عملي في البي بي سي… وقد قدمتُه لزملاء عرب هناك وأعجبوا به إذ استضافه أحدهم في برنامج إذاعي حول الأوضاع الاجتماعية والثقافية في العراق وكان لقاء ممتعا وغزيرا بالمعلومات.

كان يأمل أن يعود إلى الحلة من جديد للاستقرار، وقد فعل- بعد سقوط النظام بعامين تقريبا لكنه للأسف عاد مضطرا بعد أن داهمه المرض واحتاج إلى العلاج.

نحن حزينون اليوم لرحيل هذا الإنسان الخلوق الصابر المتواضع المحب للخير ولكل أبناء البشر… لكننا في الوقت نفسه سعداء أن السيد مضر أمضى حياتَه في الأعمال التي تنفع الناس وقد اجتاز اختبارات الحياة كلِّها بنجاح. فما أكثر الذين تساقطوا هذه الأيام في أول اختبار حقيقي لهم وكانوا يتمنون لو أنهم ماتوا قبل ذلك… كلنا نموت وليس بيننا خالدٌ، لكن الرابحَ هو الذي يغادر الحياة تاركا وراءَه الذِكرَ الطيبَ والعملَ الحسن الذي يتذكرُه الآخرون وينتفعون به.

 

ونحن أيضا سعداء أن السيد مضر الكفائي خلّف فينا ذرية صالحة ناجحة نافعة وفاعلة في المجتمع. وسوف يحيا بهم وبأبنائهم. لم أكن أتمنى أن أقف هذا الموقف لأن الفقيد من أقاربي وأيُّ كلام أقوله قد يفسر أنه مدح للنفس، لكنني في الوقت نفسه إن اقتصدتُ في قول الحقيقة فسوف يكون ذلك تقصيرا. هناك الكثير مما يمكن قولُه في أبنائه وصفاتهم الحميدة ومساعدتهم للآخرين وتعاملهم الراقي في ما بينهم لكني سأترك ذلك لملاحظات الآخرين.

أشكركم شكرا جزيلا أيتها الأخوات وأيها الأخوة على مشاركتكم لنا في هذا المصاب فوجودكم أسعدنا فعلا وخفف من ألمنا … نتمنى ألا يريكم الله أي مكروه… ونيابة عن أبناء وبنات السيد مضر الكفائي، وهم المهندس فرقد الذي جاءنا من السويد والدكتور رياض والدكتورة رغد والمهندسة تمارا، أدعوكم جميعا لتناول طعام العشاء في القاعة الأخرى في الطابق الأدنى.

شكرا لكم جميعا

حميد الكفائي