تسهيل الإجراءات يخرجنا من أزمتنا الاقتصادية

مجلة الهدى-تشرين الثاني ٢٠١٥

الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نمر بها حاليا هي من صنع أيدينا وسببها إهمالنا وعدم اهتمامنا بمستقبل بلدنا، إذ بقينا سعداء بتسلم عائدات النفط لنشتري بها احتياجاتنا من البلدان الأخرى. نحن بلد يعيش ليومه فقط، فلا خطط استراتيجية ولا أبحاث اقتصادية ولا دراسات استشرافية ولا توجد لدينا مراكز رصينة للأبحاث الاقتصادية التي تنظر في سبل تنمية الاقتصاد وتطوير القطاع الخاص والاستفادة من الإمكانيات المتاحة.

طوال نصف قرن من الزمن، أهملنا القطاعات الإنتاجية، الصناعية والزراعية والخدمية، ولم نسعَ إلى تطويرها بل تراجعت عما كانت عليه سابقا. الدولة الريعية تنفع الأنظمة الدكتاتورية فقط لأنها تضع الموارد بيد (الحاكم بأمر الله) الذي يوزع الغنائم على مؤيديه وأتباعه ويحجبها عمن يراه خطرا على استمرار حكمه. ومازلنا قد غيرنا نظامنا السياسي المعتمد على (القائد الضرورة) وعائلته والمتملقين له، واستبدلناه بنظام ديمقراطي يعتمد على استشارة الناس وإعطائهم دورا في حكم أنفسهم، فإن علينا أن نغير النظام الاقتصادي ايضا. 

نحن بحاجة إلى الإسراع في بناء القطاعات التي تؤسس لنظام اقتصادي رصين وهي النقل والخدمات والتعليم والصحة والزراعة والصناعة والتجارة.

بإمكاننا أن نبدأ بقطاع النقل الذي يؤثر على كل القطاعات الأخرى تأثيرا مباشرا، ونطور مطاراتنا وموانئنا وطرقنا ونبني مطارات جديدة في مدن العراق ونتعاقد مع خطوط طيران عالمية كي تبدأ رحلات جوية بين العراق وعواصم العالم الرئيسية. ومن الضروري أن نطور النقل الداخلي ونزيد عدد الرحلات بين المدن العراقية، ونبني مطارات جديدة في المدن الرئيسة ومطارا أو اثنين في بغداد التي أصبحت تأوي سبعة ملايين إنسان تقريبا، أي أكبر من الكثير من العواصم العالمية. 

نحن أيضا بحاجة إلى فتح الطرق المغلقة وترميم الطرق غير السالكة وبناء المزيد من الجسور والقناطر لتسهيل نقل البضائع وتنقل العمال والمزارعين والتجار والمتسوقين والسياح وهم عماد الاقتصاد وأساسه. 

يجب تسهيل إجراءات الأمن في المطارات والطرق التي اصبحت ثقيلة على كاهل الناس وغير مجدية. فمن يريد أن يسافر من بغداد إلى البصرة جوا، وهي رحلة تستغرق أقل من ساعة، عليه أن يذهب إلى مطار بغداد قبل ثلاث أو اربع ساعات من موعد إقلاع الطائرة من أجل المرور بإجراءات التفتيش التي تبدأ في ساحة عباس بن فرناس ولا تنتهي في مطار البصرة وتستغرق اليوم كله. 

هذه ليست إجراءات دولة تسعى لتنمية اقتصادها وتعظيم إيراداتها بل دولة تتخبط ولا تعرف الضار من النافع. أما الذاهب إلى السليمانية وأربيل فهو يحتاج إلى (إقامة) فيصطف من أجل الحصول عليها وكأنه أجنبي وليس في بلده، ومع ذلك فالإجراءات هناك أسهل وأكثر تنظيما. الإقليم يمر بضائقة اقتصادية أيضا وهناك العديد من الشركات والمحال التجارية أغلقت أبوابها بسبب نقص الإيرادات لذلك فإن من المُُلِح أن تسهِّل سلطات الإقليم إجراءات النقل مع المدن العراقية الأخرى.

سألت أحد المسؤولين في مطار النجف لماذا كل هذه الإجراءات المشددة في التفتيش؟ ألا يكفيكم تفتيشا دقيقا واحدا؟ فقال لو كان الأمر بيدي لزدت عدد المرات التي يُفَتش بها المسافر إلى خمس مرات وليس ثلاثا! أما في مطاري بغداد والبصرة فالإجراءات أسوأ وأعقد بكثير وهي تثبط همم كل من يفكر في السفر لقضاء يوم أو يومين في مدينة عراقية أخرى، ناهيك عن عرقلة عمل رجال الأعمال والتجار والعمال وغيرهم وهم عماد الحركة الاقتصادية في البلد. 

يتوهم البعض أن الأمن يتحقق عبر تشديد الإجراءات الشكلية وملاحقة الناس العاديين. الأمن يتحقق عبر الرصد والمراقبة وجمع المعلومات الحقيقية ذات القيمة الأمنية عن المشبوهين وليس ملاحقة الناس العاديين وسؤالهم أسئلة تقليدية غير مفيدة بأي شيء بل مضحكة مثل (من أين جئت وإلى أين ذاهب؟) أو (أين تداوم؟) أو (لمن هذه السيارة؟). فلنعِد النظر في إجراءاتنا الحالية التي لم تحقق لنا الأمن أو الرخاء بل زادت مشاكلنا تعقيدا وجعلت كثيرين منا يبحثون عن بلد آخر.

 حميد الكفائي