روايته الأولى “عابر حدود” تسلط الضوء على معاناة النساء في المجتمع العربي:

حميد الكفائي: تثقيف المرأة أولى خطوات التطور والسعادة

جريدة السياسةالكويتية-بيروت–سجا العبدلي-حزيران 2015:

 عن الريف العراقي وفي عشرينات القرن الماضي تحديداً, كتب الروائي العراقي حميد الكفائي روايته الأولى “عابر حدود” التي وصفها الناقد العراقي عودة وهيب بأنها “صرخة المرأة العراقية بوجه القيود الاجتماعية” وفيها عمل الكفائي على تعرية الكثير من العادات والتقاليد الموروثة في المجتمع التي تتحيز للرجل وغيرها الكثير مما يمارسه الأفراد من دون وعي أو دراية منهم بنفعه أو ضرره. وبحكم قربه من أجواء الريف استطاع نقل المشهد بطريقة تساعد القارئ على عيش هذه الأجواء والاقتراب منها اكثر.

حميد الكفائي كاتب وروائي عراقي من مواليد جنوبي العراق، يحمل شهادات عدة من الجامعات البريطانية في الاقتصاد والترجمة والتعليم والعلوم السياسية. عمل صحافيا وكاتبا ومديرا في عدد من المؤسسات الغربية منها “بي بي سي” وشبكة “الشرق الأوسط للإذاعة والتلفزيون” الأميركية والأمم المتحدة وجريدة “الحياة” ومجلة “العالم” واذاعة “سبكرتوم” وشبكة “سكاي نيوز” البريطانية. يكتب في الشؤون السياسية والاقتصادية والثقافية منذ ثلاثة عقود. نشط في مجال حقوق الانسان، وتولى مناصب عدة في الحكومة العراقية منها الناطق الرسمي والمدير العام لدائرة العلاقات العامة ومستشار الثقافة والاعلام. يكتب باستمرار في اللغتين العربية والإنكليزية في صحف عربية وعالمية عدة منها “الحياة” و”الغارديان” و”الانديبندنت” وغيرها.

لديه عدد من المؤلفات في اللغتين العربية والإنكليزية وآخر ما صدر له (مع آخرين) كتاب عن دار راوتليغ البريطانية حول الربيع العربي. عمل أستاذا في الأدب العربي والعلوم السياسية والاقتصاد السياسي في جامعتي ويستمنستر وأكسِتر البريطانيتين.

* ما مناسبة كتابة هذا العمل؟

* أنا مهتم بالأدب بشكل العام والرواية بشكل خاص وقرأت عشرات الروايات لنجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين والطيب صالح ومحمد خضير وفؤاد التكرلي وأحلام مستغانمي باللغة العربية, وروايات مهمة باللغة الإنكليزية مثل روايتي “1984″ و”مزرعة الحيوان” لجورج أورويل و”قلب الظلام” لجوزيف كونراد و”مئة عام من العزلة” لماركيز و”دون كيخوتي” لمغيل ثارابانتيس و”غاتسبي العظيم” لفيتزجيرالد, و”الحرب والسلام” و” الحاج مراد” لتولستوي. كما قرأت عددا من روايات جفري آرتشر بينها “الأول بين الأنداد” و”البنت المبذرة”, وغيرها, وكما ترين فان عالم الرواية ليس بعيدا عني. غير أن المناسبة التي جعلتني أقدم على الكتابة الأدبية هي أنني عندما دخلت “بي بي سي” في أواخر التسعينات أُطلِعت على الضوابط وهي لا تجيز الكتابة للصحافيين من دون اذن مسبق الا في المجالات الأدبية, أما المجالات الأخرى, خصوصا السياسي والاقتصادي, اللذين اعتدت الكتابة فيهما, فإنني احتاج الى اذن مسبق من الادارة كي أكتب فيهما. ولأنني لا استطيع أن أتوقف عن الكتابة, فهذا نشاط متأصل عندي منذ الصغر, اذ بدأت محاولاتي الكتابية في منتصف السبعينات من القرن الماضي ونُشِر أول مقال لي في أبريل من العام 1982 بعدما غادرت العراق, فقد قررت أن أجرب حظي في الكتابة الأدبية علي أفلح فيها فكانت هذه الرواية.

خلفيات ثقافية

* لماذا اخترت الكتابة عن الريف في عشرينات القرن الماضي تحديداً؟

* أردت أن أبين الخلفيات الثقافية للمجتمع العراقي الحديث الذي ينحدر معظم سكانه من الريف بل ومازال الكثيرون منهم يتمسكون بالعادات الريفية رغم عيشهم في بغداد والمدن الأخرى لجيلين أو ثلاثة. فالعادات القديمة تموت ببطء كما يقول المثل الإنكليزيold habits die hard .

أما العشرينات من القرن الماضي فهي الحقبة التي تأسست فيها الدولة العراقية وبدأت فيها الهوية الوطنية العراقية بالتشكل. “عابر حدود” لا تبدأ في العشرينات ولا تتوقف عندها لكن تلك الحقبة مهمة, ففيها تشكلت الهوية العراقية الحديثة ومعظم المبدعين العراقيين ولدوا في تلك الفترة وقد نُقل عن السياب قوله: “لقد ولدت العبقرية العراقية العام 1926 وهي السنة التي ولد فيها الكثير من المبدعين العراقيين وبينهم بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبد الوهاب البياتي وبلند الحيدري وجواد سليم ومصطفى جمال الدين وغيرهم.

* العادات والتقاليد بدت طاغية بشكل كبير على أحداث الرواية لماذا كل هذا الحضور؟

* العادات والتقاليد مهيمنة على حياة العراقيين وكثيرون منهم لا يستطيعون التخلي حتى عن العادات التي يعلمون بأنها سيئة وضارة. والهدف من ذكرها في الرواية توضيح مساوئها وكذلك تبيان مكونات الشخصية والثقافة العراقيتين, فهناك كثيرون يتمسكون بالعادات من دون أن يعوا أنها غير ملزِمة لهم وبإمكانهم التخلي عنها بسهولة, الا أن التمسك بالعادات والتقاليد هو من طبائع المجتمعات المحافظة عموما, الا أن ربط العادات بالدين يعطيها ديمومة غير مبررة. كثيرون في مجتمعاتنا يقدسون العادات ويضعونها بمصاف المقدسات الدينية ويخشون أن يتخلوا عنها بل ان بعضهم أضفى عليها صفة دينية أو نسبها الى الدين. في بعض المجتمعات الأفريقية مثلا يعتبرون ختان الاناث من الدين بينما هي عادة جرت عليها بعض المجتمعات الأفريقية ولا علاقة لها بأي دين.

* الى اي حد تساهم المخيلة الشعبية في تسيير مجتمعات بأكملها وتتحكم بها؟

* المخيلة الشعبية تتحكم بحركة المجتمعات المحافظة المتدينة التي تقيد حرية الفرد وتجعله يتصرف ضمن سلوك معين يتوقعه منه الجميع, فلا يستطيع الفرد أن يخرج عن توقعات المجتمع, اذ لا وجود للفردانية الا ما ندر.

* هناك 3 نماذج من النساء وردت في هذه الرواية. لماذا كل هذا التركيز على المرأة؟

* المرأة مظلومة في مجتمعاتنا الشرقية، فلا حرية أو حقوق لها الا نادرا، لكنها رغم ذلك تتحمل مسؤولية كبيرة في المجتمع. فشرف العائلة والعشيرة يتوقف على سلوك المرأة ومدى التزامِها الصارم بالعادات والتقاليد فحتى البشاشة والابتسام يعتبران مخلين بشخصية المرأة وحشمتها. كما أن عليها أن ترتدي ملابس ثقيلة وطويلة غير مريحة من أجل أن يرضى عنها المجتمع، صعبُ الارضاء مهما فعلت. لقد سعت الرواية الى تسليط الأضواء على محنة المرأة في المجتمعات الشرقية وتوضيح المأزق الذي عاشته المرأة العراقية ومازال الكثير من النساء يعشنه حاليا ويعانين منه. الناقد عودة وهيب وصف رواية “عابر حدود” بأنها “صرخة المرأة العراقية بوجه القيود الاجتماعية” وقد تكون كذلك لأنها حاولت أن تبين قسوة تلك القيود المفروضة عليها وحجم الظلم الواقع على المرأة حصرا نتيجة اعتقاد شرائح كبيرة من المجتمع بالخرافات التي أشارت اليها الرواية.

ذكورية المجتمع

* هناك انتقاد واضح لذكورية المجتمع حين اوردت اتهام المرأة بالعقم من دون الرجل وغيرها من القصص التي تعزز هذا الطرح. هل نستطيع تغيير الواقع الذي لا يزال يمارس ضد المرأة من خلال الكتابة؟

* المجتمع العراقي والعربي عموما كان ومازال ذكورياً رغم المكاسب المهمة التي حصلت عليها المرأة خلال القرن المنصرم ومطلع القرن الحالي. عندما يتعثر الانجاب فان المرأة هي المتهم الأول لأن العقم يعتبر في العرف التقليدي طعنا في الرجولة. لذلك يلجأ الرجل الى الزواج من امرأة أخرى كي ينجب وهو بذلك يلوم الزوجة الأولى على عدم الانجاب لأنه يعتقد بأنه سوف ينجب من الزوجة الثانية، وعندما لا يتمكن من الانجاب من الزوجة الثانية فانه يتزوج بثالثة وقد يقتنع عندها بأن مشكلة العقم هي لديه وليس في المرأة وبعضهم لا يقتنع فيتزوج برابعة. الكتابة تساهم في رفع الوعي بهذه الأمور بين القراء، أما غير القراء فيصلهم الوعي والثقافة عبر وسائل أخرى كالسينما والتلفزيون والحوارات التي تجري بين المثقفين.

* كم نحن بحاجة الى تعرية المجتمع؟

* المثقفون والكُتاب جزء من المجتمع، يتفاعلون معه ويتأثرون به وبإمكانهم أن يؤثروا فيه، إما عبر سلوكهم الحياتي أو من خلال التعبير عن أفكارهم. مجتمعاتنا لا تزال متخلفة والسبب هو نقص الحرية والتقيد الصارم بالتقاليد البالية الضارة التي يلتزم بها المجتمع منذ قرون دون الالتفات الى أضرارها، وكذلك بسبب القيود الثقيلة التي تقيد حرية المرأة ونشاطها وتعليمها وعملها. المرأة هي أساس التغيير في المجتمع لأنها تربي كل أفراد المجتمع، رجالا ونساءً. لذلك فان مدخل تطوير المجتمع هو تثقيف المرأة وزيادة نفوذها لأنها ستسعى حينئذ الى تغيير نظرة الرجل عن بنات جنسها ما يساعد على تلاحم الرجال والنساء في عملية التطور الاجتماعي الذي لن يحدث الا عبر مثل هذا التلاحم والفهم المشترك للحياة والاتفاق على السبل التي تقود الى السعادة في الحياة.

* الكتابة عن الريف تحتاج الى تعمق في هذه البيئة ومعرفة بها. إلى أي حد أنت منفتح على هذه البيئة؟

* استطيع القول إنني مطلع اطلاعاً عميقاً على بيئة الريف العراقي, فأنا ولدت وعشت سني حياتي الأولى في الريف رغم قربي من المدينة. نشأتي العائلية وثقافتي جمعت بين البيئتين، إذ عاشت عائلتي في الريف لكنها عملت وتعاملت مع المدينة، فوالدي كان موظفا في الدولة ويعمل في المدينة لكنه في الوقت نفسه كان يعيش في قرية محاذية للمدينة ويمتلك الأرض والبساتين، وقد وصف عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي “أهل البساتين” بأنهم يجمعون بين أخلاق المدينة والريف لأنهم من ناحية يعيشون في الريف لكنهم من ناحية أخرى يتعاملون مع أهل المدن ويبيعون محاصيلهم اليهم ويتخلقون بأخلاقهم التي تعتمد أساسا على خدمة المصالح المشتركة.

* جرت العادة أن تكتب في القضايا الفكرية والسياسة، ما الذي جعلك تدخل عالم الرواية؟

الكتابة بشكل العام تهدف الى التنوير وطرح الأفكار الجديدة التي تهدف إلى إصلاح المجتمع أو تغييره، والرواية هي أحد الفنون الثقافية التي تؤثر في المجتمع وربما تساهم في إصلاحه وتشكيل الرأي العام فيه عبر السرد القصصي المشوق وطرح العادات والتقاليد الاجتماعية على بساط البحث والنقاش. الرواية تنتشر بين الناس العاديين أكثر من الكتب والمقالات الفكرية التي يقتصر قُرّاؤها على المثقفين والمهتمين بالفكر فقط. هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى فإنني لست بعيدا عن هذا الفن بل اهتممت به منذ الصغر وانتهى بي الأمر لأن أصبح أستاذا في الأدب العربي في جامعة “ويستمنستر” في بريطانيا وقد درّست فن الرواية الى جانب الشعر والنثر. الرواية فن حديث وقد برع به الأوروبيون خلال القرنين الماضيين وتأثر العرب به فكتب يحيى حقي رواية “قنديل أم هاشم” وكتب محمد حسين هيكل رواية “زينب” وهما من أولى الروايات التي كتبت في اللغة العربية رغم تواضع بنائهما القصصي وبساطة تناولهما للقضايا التي طرحتاها. كما أنني مهتم بعلم الاجتماع والقيم التي تحكم التعامل الانساني وقد قرأت معظم ما كتب عن المجتمع العراقي خصوصا كتابات الدكتور علي الوردي والدكتور ابراهيم الحيدري والدكتور فالح عبد الجبار بالإضافة الى مقدمة ابن خلدون وكثير من الأفكار التي طرحها الكتاب الغربيون حول السلوك الاجتماعي. كما أنني تخصصت في علم الاقتصاد وهو أحد العلوم الاجتماعية لأنه يتعلق الى حد كبير بالسلوك الاجتماعي للفرد والجماعة.

* هل من نية لتكرار هذه التجربة؟

* نعم، لن أغادر هذا المجال وهناك رواية أخرى شبه مكتملة بدأت في كتابتها في العام 2012 وسوف تجد طريقها الى النشر عندما اقتنع أن الوقت قد حان لنشرها. أنا أتريث عادة في النشر كي أتأكد أن ما أنشره يشكل اسهاما جديدا ومفيدا للمعرفة وفي خلاف ذلك لا أرى أي هدف من النشر. لدي مشاريع روائية أخرى لكنها ستنتظر بضع سنين قبل أن ترى النور. الرواية فن هادف ووسيلة ناجعة للتغيير عبر ايضاح مشاكل المجتمع ووضعها أمام أنظاره بشكل فني وأسلوب مقنع ومشوق. انها الوسيلة الناجحة التي تجعل المجتمع يشارك في تغيير نفسه. لكن المشكلة تكمن في اعراض الناس عن القراءة بسبب الانشغال واللجوء الى طرق سهلة للترفيه بدلا عن القراءة. الا أن كثرة القنوات الفضائية ربما تساهم في أن تكون الروايات موادا لمسلسلات وأفلام يمكن المتلقي أن يستثمرها في الترفيه والتعلم في آن.

 http://al-seyassah.com/%D8%AD%D9%85%D9%8A%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A6%D9%8A-%D8%AA%D8%AB%D9%82%D9%8A%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%B7%D9%88%D8%A7%D8%AA-%D8%A7/