وسائل الإعلام المستقلة تنقل الحقائق ولا تروج لأي قضية سياسية

يجب التأكيد بأن لجنة الثقافة والإعلام الحالية برئاسة السيدة ميسون الدملوجي تسعى إلى تعديل مشروع القانون الذي نناقشه في هذه المقالات وإن اللجنة مشكورة دعت عددا كبيرا من الصحفيين، بينهم كاتب السطور، إلى البرلمان لمناقشة المشروع وقد أبدوا ملاحظاتهم المنتقدة له في جلسة الاستماع التي عقدت في التاسع عشر من نيسان الماضي. ونواصل في الحلقة الثانية من هذه المقالات مناقشة مسودة مشروع القانون بهدف إلقاء الضوء على ما يجب أن يحتويه القانون وما يجب أن يتجنبه.

 المادة 6/ثالثا توجب على الشبكة (تقديم برامج تساعد على تطوير لغات الأقليات وثقافاتها بشكل لا يثير الخلافات)! لا يمكن أحدا أن يتنبأ دوما بما يمكن أن يثير الخلافات خصوصا في مجتمع متنوع يعاني من كثرة الخلافات كالمجتمع العراقي. كما إن الشبكة ليست ذراعا من أذرع وزارة التربية والتعليم كي تكون مهمتها تطوير اللغات، بل إن مهمتها تتمحور حول الإعلام ونقل المعلومة الصحيحة للمتلقين، ولكن بالإمكان إلزام الشبكة بنتاج ثقافي رفيع المستوى يساهم في تطوير اللغات والثقافات.

 المادة 6/خامسا تطالب الشبكة بعدم الترويج للممارسات العنصرية والطائفية والدكتاتورية والعنف والإرهاب ورغم أن هذا مشروع ومطلوب إلا أنه يجب تحديد الأفكار والممارسات العنصرية والطائفية والدكتاتورية بدقة عبر ملاحق تبين كل المفاهيم الواردة في القانون كي لا تستخدم هذه المادة في غير مقاصدها الحقيقية. بالإمكان اعتماد العهود والمواثيق الدولية كمعايير يجب الالتزام بها ولكن يجب أن يكون ذلك بنص قانوني صريح.

كذلك فإن (تسليط الأضواء على الحقبة الدكتاتورية… وإبراز معاناة الشعب العراقي) لن يكون نافعا والأفضل عدم إلزام الشبكة به بل إلزامها بالترويج لقيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان والعصرنة والتنمية الاقتصادية والبشرية وإطلاع العراقيين على التقدم الحاصل في البلدان الأخرى، فهذا أفضل بكثير من اجترار الماضي المرير وتبيان المعاناة التي لم يعد يجهلها أحد خصوصا وأنها ستبرز في الخطابات السياسية والمناهج الثقافية والتعليمية.

 المادة 6/سادسا/أ تتحدث عن “خدمة مصالح الشعب بكل أطيافه”. يجب توضيح ما هو المقصود بـ”أطياف” الشعب. هل المقصود بها مكونات الشعب العراقية الدينية أم المذهبية أم العرقية أم القبلية أم المناطقية أم الحزبية السياسية أم ماذا؟ وما هي مصالح الشعب ومن الذي يعرفها ويحددها؟ ولماذا يطلب من الصحفيين معرفة مصالح الشعب وخدمتها؟ فهل يطلب من المهندسين والاطباء والتقنيين مثلا معرفة مصلحة الشعب؟ هذه الأمور تخضع للرأي السياسي والتفسير الشخصي ويجب تجنيبُ الشبكة والعاملين فيها الخوض فيها والأهم من ذلك هو إلزامُها بالمعايير المهنية وقيم العدالة والإنصاف والشفافية ونقل الحقيقة. نعم يجب أن تسعى الشبكة لخدمة الصالح العام لكن ذلك يتم عبر التزامها بالمعايير المهنية والقانون فحسب.

 المادة 6/سادسا/د تتحدث عن “المساهمة في تطوير الآراء الهادفة إلى تسهيل وتشجيع مشاركة المواطن في العملية السياسية الديمقراطية” والسؤال هو من الذي يحدد هذه الآراء؟ وهل تستثنى هنا الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات التي تعتبر حقا طبيعيا في النظام الديمقراطي، شأنُها في ذلك شأن الحق في المشاركة في العملية الانتخابية وفي الاقتراع؟ أليست الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، رغم سلبيتها، موقفا سياسيا يغني العملية السياسية  والحراك الديمقراطي في البلاد؟

  ليس هناك قانون في العراق يمنع عدم المشاركة في الانتخابات أو يلزم الناخبين بالاقتراع كما هو الحال في البرازيل مثلا. لذلك فإنه ليس من شأن وسائل الإعلام المستقلة أن تروج لأي شيء بل عليها أن تنقل الحقائق المجردة من الرأي السياسي وإن ارادت نقل الآراء فإن عليها أن تنقل كل الآراء أو تفسح المجال لأصحاب الرأي في التعبير عنها. يجب تجنيب الشبكة الخوض في اي مسألة سياسية لأن في ذلك إقحاما لها في المسائل السياسية ومن شأنه أن يعرضها للاتهام بالانحياز لهذا الطرف أو ذاك بل قد يستغل بعض المنحازين ممن يعملون في الشبكة هذه المادة للترويج لما يرونه “تشجيعا” للعملية السياسية بينما قد يكون في حقيقته تشجيعا لجهة أو فكرة سياسية معينة.

 المادة 6/سادسا/هـ مشوبة بالغموض والالتباس. ما هو المقصود بالضبط بعبارة “وفقا للقانون” التي تقيد هامش الآراء والاتجاهات السياسية والفلسفية والدينية والعلمية التي يمكن أن تعكسها الشبكة في برامجها؟ ولا أدري لماذا شُمِلَت الآراء العلمية بهذه الفقرة! هل يمكن تصور تعارض العلم والحقيقة العلمية مع القانون مثلا؟ وهل يمكن أي رأي ضمن اصطفافات الجدل العلمي أن يُستثنى بحجة تعارضه مع القانون؟

 المادة 7/ثانيا: تنص على سعي الشبكة لأن “تكون منبرا حرا يعزز حرية الرأي والرأي الآخر على أن تستبعد التجريح والتشهير بالآخرين”. مرة أخرى، كيف يمكن أن نضمن بقاء الشكبة “منبرا حرا” إذا ما كانت تابعة لمجلس الوزراء؟ ليس هناك في نص مسودة مشروع القانون ما يضمن أو يوفر الشروط الموضوعية لعمل الشبكة كمنبر حر، بعيدا عن سياسة مجلس الوزراء وجهاز السلطة الحاكمة والحزب أو الأحزاب المتمثلة في هذا الجهاز الحكومي.

 المادة 7/ثالثا تنص على مراعاة قيم وتقاليد المجتمع العراقي بجميع مكوناته. وهذه الصياغة فضفاضة جدا. ما هي هذه القيم والتقاليد؟ ومن الذي يحددها؟ وكيف يُتعامل مع قيم وتقاليد المجتمع العراقي في حال تناقضها؟ ماذا لو تزامنت مناسبات لمكون معين من مكونات الشعب العراقي مشوبة بالحزن والأسى، كعاشوراء على سبيل المثال، مع مناسبات مشوبة بالفرح والحبور والبهجة تخص مكونات أخرى، مثل عيد الخليقة أو عيد الميلاد أو النوروز أو غير ذلك؟ وقد حصل في السنوات الأخيرة تزامنٌ من هذا القبيل واضطر المسيحيون (وإن بإرادتهم) أن يلغوا احتفالاتهم لأنها تزامنت مع مناسبات لمكونات أخرى.

 مراعاة التقاليد والحساسيات هي من صميم السياسة التحريرية ويجب أن تترك لمقرري هذه السياسة وهؤلاء يعرفون تماما، إن كانوا مهنيين وخبراء، مزاج المجتمع ومتى وأين وكيف يراعون التقاليد والحساسيات والأمزجة. إنها مسألة متغيرة ويجب أن تترك لحكمة رؤساء التحرير ولا توضع ضمن القانون.

 المادة 7/رابعا/ج تتحدث عن (احترام خصوصية الإنسان وشؤونه الشخصية). هذا حق لكل مواطن ولكن ماذا لو تداخلت هذه الشؤون الشخصية مع الشأن العام وهذا يحصل في أغلب الاحيان مع الأشخاص المتصدين للشأن العام كالرؤساء والقادة والوزراء والمديرين وغيرهم فالشأن الخاص لهؤلاء يدخل في الشأن العام أيضا لأنه يهم الناس. لذلك يجب أن تترك هذه المسألة أيضا لمقرري السياسة التحريرية أو على الأقل تضاف عبارة (إلا بالقدر الذي يتعلق بالمصلحة العامة واهتمامات المتلقين) ويترك تفسير ذلك للمحاكم التي تنظر في مثل هذه الدعاوى في المستقبل.

إن إهمال القضايا المتعلقة بالرؤساء أو الوزراء وباقي الشخصيبات العامة بحجة أنها قضايا خاصة يعتبر إهمالا في واجب الصحفيين تجاه الرأي العام الذي يهتم لها خصوصا إن كانت تتعلق بشأن العام بطريقة أو بأخرى. من ناحية ثانية فإن وسائل الإعلام الأخرى لن تهمل مثل هذه الأمور ما يعني أن متلقي الشبكة سوف يُحرمون من تغطية قضايا تهمهم ولكن لا تغطيها الشبكة بل محطات أخرى، ومن هنا فإنهم سوف يبحثون في وسائل الإعلام الاخرى عما يهمهم وهذا سيقلص من جمهور الشبكة وقدرتها على الوصول إلى المتلقين.

  حميد الكِفائي