مجلة الهدى-آذار 2015                          تدمير آثار الموصل وهدم مدينة نمرود الأثرية على أيدي متخلفي داعش دليل صارخ على أن هذه المجموعة الهمجية في عجلة من أمرها لأنها تعلم أنها غير باقية طويلا لذلك فهي تريد أن تترك (بصمة) على العراق، وأي بصمة هذه التي تريد تركها في حياتنا؟ إنها محو تأريخِنا العريق الذي نتميز به على دول العالم الأخرى.

الإرهابيون لا يفقهون قيمة هذا التأريخ وهذه الآثار لأنهم لا يريدون أن يروا شيئا مخالفا لما لقَّنهم به شيوخُهم المتخلفون. فكل شيء يخالف رأيِهم يجب أن يختفي والأغرب أنهم ينسبون همجيتَهم هذه إلى الإسلام الذي لم يفرض على أحد شيئا حتى في أيامه الأولى التي كان فيها مهددا، فكيف الآن وبعد ١٤٠٠ عام من اكتمال الرسالة الإسلامية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).

المتخلفون يعتقدون أن قيام المسلمين بهدم الأصنام عند فتح مكة هو الدليل الصارخ على أن الإسلام يحارب الآثار وينسون أن الآثار ليست أصناما ولا أحد يعبدها لا سابقا ولا حاليا بل هي كما يدل عليها اسمها (آثار) لحضارات سابقة تميز البلدان العريقة كالعراق ومصر واليونان وإيطاليا والصين والهند وإيران عن غيرها.

هدم الآثار لا يمحو ذكر الحضارات القديمة ولا يُنسي الناس العادات أو الثقافات التي كانت سائدة لأن هذه مدونة في الكتب وموثقة بالصور والآثار الأخرى التي تحتويها المتاحف العالمية… آثار العراق موجودة في متاحف عالمية أخرى ولا يمكن داعش أن يزيلها من ذاكرة العالم بمجرد تدمير تمثال الثور المجنح في متحف الموصل. 

حضارة العراق وآثاره وأثره على الحضارة العالمية لا يمكن محوُها بهذه السهولة التي يتوهمها الهمج، بل إن ما قام به الإرهابيون في الموصل من أعمال همجية يندى لها جبين جنكيزخان وهولاكو وبول بوت وهتلر، إنما يزيد من اهتمام العالم بالعراق ويركز الانتباه على دور العراق التأريخي في الحضارة العالمية. 

لا أحد في العالم ينكر أن الكتابة اكتشفها العراقيون السومريون في الوركاء قبل ٥٠٠٠ عام، وأن أول قانون سُن في تأريخ البشرية كان عراقيا وهو مسلة حمورابي في بابل، وأن الجنائن المعلقة (في بابل أو نينوى ليس مهما) هي من عجائب الدنيا السبع، وأن العجلة وعلم المحاسبة وعدد أيام السنة والساعة كلها اكتشفت في العراق. هذه حقائق باقية ولا يمكن أحدا أن ينكرها والزائل هو الإرهابيون الهمج غير القادرين على أن يتركوا أثرا ينفع الناس. (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).