المساعدات العسكرية الخارجية غدت مشروعة للتخلص من الطغاة

أليس أولى بالشعوب والمثقفين والمعارضين العرب أن يقدموا اعتذاراً واضحاً للشعب والمعارضة العراقية التي كانت تناهض حكم الرئيس صدام حسين؟ لم يترك الإعلام العربي ولا الشعوب ولا المثقفون العرب على مدى سنوات تهمة إلا وألصقوها بالمعارضين العراقيين وبكل من عمل مع الأمريكيين في بداية هذا القرن للإطاحة بالنظام العراقي السابق بقيادة صدام حسين. لقد كان الشارع العربي من المحيط إلى الخليج ينظر إلى السياسيين العراقيين الذين كانوا ينسقون مواقفهم مع الأمريكيين قبيل الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 على أنهم ثلة من الخونة والعملاء، لا لشيء إلا لأنهم كانوا يتعاونون مع العم سام لإسقاط نظام صدام حسين الذي كانوا يعتبرونه نظاماً ديكتاتورياً ظالماً. والعجيب في الأمر أن الكثيرين مازالوا يعيرون أعضاء الحكومة العرقية الحالية بأنهم أزلام الأمريكان، وبأنهم عادوا إلى العراق على ظهور الدبابات الأمريكية، مع العلم أن معظم المعارضين العرب الآن يناشدون الأمريكيين كي يساعدوهم في إسقاط بعض الأنظمة وبمباركة كاملة من الشارع العربي، حتى لو تطلب ذلك قصفاً أمريكياً مكثفاً للعواصم العربية المعنية. 
 
لقد بات الكثير من الشعوب يتوسل للخارج بكل أريحية أن يتدخل كي يحميه، وينقذه من براثن الطغاة وجيوشهم وبلطجيتهم وقتلتهم المأجورين وأجهزة قمعهم الرهيبة. لقد عرف الكثير من الدعاة والنشطاء السياسيين والإعلاميين الذين كانوا يعتبرون مجرد التفكير بالاستعانة بالأجنبي خطيئة لا تغتفر، أنهم اليوم يتصدرون الصفوف المطالبة بتدخل دولي، أو على الأقل حماية دولية لهذه الانتفاضة العربية أو تلك. لا بل بتنا نشاهد مظاهرات عربية حاشدة ليس ضد التدخل الأجنبي، بل للمطالبة به. وكم شاهدنا لافتات مكتوبة بالخط العريض يحملها المتظاهرون وهي تندد بالمجتمع الدولي لأنه يتخاذل في نصرتهم سياسياً وحتى عسكرياً. في الماضي القريب كانت كل اللافتات العربية المرفوعة تندد بالتدخل الدولي، وتحذر من مغبته وتبعاته. أما الآن، فهي تندد بكل من لا يتدخل، وبكل من يحذر من التدخل. وقد لاحظنا أن بعض الثورات العربية خصصت أياماً كاملة من مظاهراتها للدعوة للتدخل، أو لصب جم غضبها على الذين يتكاسلون في التدخل. هل شاهدتم مظاهرة عربية واحدة تندد بتدخل الناتو في ليبيا؟ لا.
 
لم تعد المطالبة بالمساعدات العسكرية الخارجية، حتى بثمن، رجساً من عمل الشيطان فاجتنبوه، بل غدت مشروعة، لا بل مطلوبة تماماً، إن لم نقل “فرض عين”. قليلة جداً هي الأصوات التي تحذر، أو تسخر من المطالبين بالتدخل. وقليلة أيضاً هي وسائل الإعلام التي تستنكر الاستنجاد بالأجنبي للمساعدة في إزاحة هذا الطاغية أو ذاك. لقد غدت رغبات التائقين للتدخل عنواناً عريضاً على صفحات الجرائد العربية والمواقع الإلكترونية. والويل كل الويل لمن يبدي رأياً معارضاً للتدخل، فهو ملعون مطعون وخائن إلى يوم الدين. باختصار، لقد أصبح الوطني ذاك الذي يطالب، ويبارك الاستعانة بالأجنبي، والخائن هو الذي يعارض الاستعانة. لم يعد الكثيرون يترددون في القول إنهم”يتفهمون الآن دعوة أحمد الجلبي للأمريكيين كي يضربوا النظام الحاكم في العراق”، ويعذرونه”. كما يستطيعون أن يتفهموا كنعان مكية وهو يقول: “إن وقع أصوات الغارات الأمريكية على جيش صدام كانت أجمل من أنغام بيتهوفن على أذني”. كم تفاجأت عندما سمعت شاباً عربياً على إحدى الفضائيات قبل فترة وجيزة وهو يتوعد جيش بلاده بطائرات أوباما “العظيمة” على حد وصفه. 
 
لقد سمعت أناساً كثيرين، بمن فيهم كتاب وإعلاميون ونشطاء، يقولون إن الفرق قد زال في نظر ملايين العرب بين الطواغيت المحليين الجاثمين على صدور الشعوب تحت شعارات واهية وأولئك الذين كنا نحاربهم إلى وقت قريب كأعداء ومحتلين وغزاة. لا بل إن أحدهم قالها بوضوح: “لم يعد هناك فرق بين الغازي الأمريكي والعدو الصهيوني من جهة والأعداء المحليين الممثلين بالطغاة العرب من جهة أخرى. لقد أثبتت الثورات العربية الأخيرة للكثير من الشعوب أن الغزاة والأعداء أرحم بهم بكثير ممن أسماه الشاعر اليمني الكبير البردوني يوماً “بالمستعمر الوطني”. وقد قالها أحد كبار الشيوخ قبل فترة:” لقد كان المستعمر الفرنسي أكثر رحمة بنا من طواغيتنا الآن، فعلى الأقل عندما كنا نحارب الفرنسيين، ونهرب إلى المساجد للاحتماء داخلها، كان الجنود الفرنسيون يحترمون قدسية المساجد والجوامع، وبالتالي يمتنعون عن دخولها أو قتلنا داخلها وتدنيسها. أما الآن فقد أصبح الهجوم على المساجد وتدميرها أسهل من شرب الماء بالنسبة للطواغيت العرب وعصاباتهم المجرمة”. ويصيح كاتب ليبي: ماذا كان سيفعل القذافي بمدينة بنغازي التي انفصلت عن نظامه لو لم يتدخل الخارج. ربما كانت الآن في غياهب اللاوجود.
 
“نحن السابقون وأنتم اللاحقون”، يصيح صحفي عراقي ساخراً من العرب الذين هاجموا العراقيين لاستنجادهم بالأمريكيين لإسقاط صدام حسين. ولا شك أنه محق في سخريته اللاذعة بعد أن راح العرب يتهافتون على طلب التدخل الدولي لإزاحة هذا الطاغية أو ذاك.
 
إيلاف عن الشروق القطرية
 
http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2012/4/726621.html
 
(يا ترى ما الذي يمنع فيصل القاسم من الاعتذار للعراقيين؟ ألم يشارك هو بقوة في تشويه سمعة العراقيين وأنا أحدهم؟ حميد الكفائي)