الصباح البغدادية 04/12/2005
________________________________________

جاءت الحلقة الاخيرة التي قدمت خلال العيد بحضور وزير الثقافة الذي اكد اهمية اعادة وصياغة التاريخ بثوبه الجديد الذي لا يحتاج في رأيي الى وجهة نظر لأن التراث هو البنية التي تبنى عليها كل الاجتهادات.. الموسيقية والشعرية والدرامية..

وان مجرد حضوره المتواضع الا دلالة على اهمية المحتوى الذي اغنى من خلال البرنامج عقول الكثيرين، فمن لم يتعرفوا حتى عن قرب على هيبة وجلالة هذا الارث المتنوع من ابداعات العراقي سواء كان ينحدر من البصرة او الموصل او الناصرية او بغداد.. ولكنني بقدر ما اقيم دعوة مسؤولي وصحفي او رؤساء تحرير فقد كنت اتمنى ان يكون لحضور فناني المسرح والسينما والتلفزيون او من ينتمي على الاقل الى الطرب من الممثلين والمخرجين او الاذاعة او التلفزيون..
 
ام ان هذه الوجوه باتت عتيقة لا تتناغم مع تطلعات الفكر المعاصر.. او ان حضورها لا يعني قناة الحرة التي استضافت فيما درج عليه من فناني لبنان ومغتربي اميركا ولندن والمحظوظين ممن تعرفهم اوساط الثقافة التي تنتمي اليها(الحرة) فقد كان بالامكان دعوة فناني المسرح والتلفزيون على الاقل ممن انتسبوا وبحرص الى المسرح الموسيقي على الرغم من المستوى الذي لم تصل اليه ثقافة الحضور الموسيقية اعيدوا وأقول ان (حلقة العيد) جاءت لتؤكد المصداقية ووجهات النظر التي طرحتها في المقالة السابقة عن البرنامج.. فإن مجرد الاشارة الى المناخ الموسيقي الصحي الذي تابعناه خلال ثلاثين يوما (ومن قبل الاساتذة واخص بالذكر الناقد المحلل والمتابع لحركة الموسيقى والغناء في العراق الاستاذ القدير عادل الهاشمي والاكاديمي د. طارق حسون فريد ود. هيثم شعوبي والمايسترو المجتهد عبدالرزاق العزاوي) ومن تعليقات وطروحات الاساتذة محمد امين قائد الفرقة الموسيقية الوطنية وشهادة الاستاذ حميد الكفائي وما اكده (من ان الفن والتراث هما الاصل لتجذر الحياة الثقافية ووعيها الحقيقي) هذا الوعي الذي لا ترتقي اليه السياسة او عقول بعض السياسيين لان التراث والفن والثقافة هي العناصر الاساسية والحقيقي لوحدة الاوطان والشعوب قبل ان يظهر دور السياسة والبرلمانات والاحزاب لا لشيء الا لان الفنان هو القادر على ادراك اهمية الحياة بالشكل والمضمون وهو القادر على ان يرفع على مرور الزمن من انسانية الاخرين وان يرفعه الى قمم من المشاعر والادراك العميق لماهية الحياة.
 
ومهما قيل من مشاعر الود ومن اجتهادات لها خصوصية اكاديمية او عضوية ومهما اغفل من شخوص واحداث.. فان فضيلة البرنامج تظل في الذاكرة وعلى القائمين على هذا التوجه الثقافي والحضاري ان يعودوا مجدداً لجمع ما احترق وسرق ونهب واختفى بين رفوف البعض..
 
لان ما ضاع يحتاج الى سنين.. ولكن ايماني وثقتي بالاصالة والامانة التي درج عليها البعض من فنانينا منذ عشرات السنين ان يحققوا هذه الرغبة وذلك من خلال برنامج له خصوصية قادر (على ان توضع تحت تصرفه ميزانية من شأنها ان تسترد ما ضاع او سرق) على ان يستقطب كبار الفنانين من خلال زياراتهم المتواصلة الى محل سكناهم على لا يكون لقاء عابراً من اجل برنامج ( يغطي الفترة) لاغير.. انما تشتري منه كل ما يمكن الحصول عليه.. او تستنسخ منه وبموافقته ما جمعه من ثروة سواء أكانت من ابداعه او خلق الاخرين.
 
واضيف ان ما لفت انتباهي تغافل او تناسي او غياب اثر فرقة الانشاد العراقية التي طرحها واكد عليها الاستاذ اسماعيل زاير ( فقد أرست هذه الفرقة تقاليد تراثية لها قيمتها واثرها في تطوير وتطويع الاغنية العراقية بانواعها واشكالها وعناصرها) ولربما غياب مطربيها او القائمين عليها فقد كان بالامكان ان يفرد لها البرنامج اكثر من حلقة لا سيما ان الفنان القدير عباس جميل ترك اثره وبصماته على هذه الفرقة بعد انقطاع من وقف بصلابة خلف تأسيسها الفنان روحي الخماش.. وكما غاب هذا الشق من البرنامج فقد عبر الفنان يحيى ادريس وباخلاص على (فقدان الاثر لبعض فنانينا وهذا يعود الى قصر الفترة الستينية والسبعينية لدور الفنانتين القديرتين عفيفة اسكندر ومائدة نزهت).. الا ان رأي داليا كان معقولاً عندما وضحت (أن الاحكام قد لا تكون كلها صائبة لا لشيء الا لان فكرة البرنامج لم تكن من السهولة بحيث كان استطاعتها ان نعطي 5 عقود من عمر تراث موسيقي عظيم.
 
وما ذهب إليه الناقد عادل الهاشمي كان له اثره عندما اعتبر (البرنامج هو نقطة البدء.. هو تاريخ الحاضر والماضي والمستقبل) .
 
واخيرا ما يحزنني انني اكتب عن ترف موسيقي وثروة لا تقدر بثمن بينما تقصف القنابل ابناء شعبنا بنوتات وآلآت موسيقية جهنمية هدامة من طراز اخر.. وعلى الرغم من تشابك المشاعر واختلال الموازين.. اعود لداليا العقيدي ومن وقف خلفها من مخرج متذوق للصورة ومن فنيين ومصمم الديكور والاضاءة فاعدهم بالورود التي قال فيها شكسبير كلمته في مسرحيته الاخيرة روميو وجوليت..
 
ان تواصل المشاهدين مع البرنامج هي شهادة قيمة تؤكد صدق وهدف البرنامج الذي تناول فيه تراثا عراقيا يطرب له القاصي والداني. السياسي منهم المتواضع في تقديره او ممن يعد الطرب والموسيقى نزعة متخلفة.. ولكن على الرغم من كل التحديات فان التراث والابداع العراقي سيفرض سطوته على الجميع شئنا أم ابينا. ومن الله التوفيق.