الصباح-28 آب 2012
لا قيمة لكل اوراق الاصلاح السياسي ونقاطه المجهولة اذا لم يكن هدفها النهائي اقامة دولة الانسان، في اطار دولة مدنية حضارية حديثة، تقوم على اساس القانون والمؤسسات والمواطنة والديمقراطية والعلم الحديث.
 
بل لا قيمة لكل الايديولوجيات والفلسفات والافكار والانظمة اذا لم تكن تعمل من اجل اقامة دولة الانسان.
كان الاسلاميون يرفعون شعار اقامة “الدولة الاسلامية”، الى ان جاء الامام الراحل السيد محمد حسين فضل الله، ودعا في الثمانينيات الى اقامة دولة الانسان، اذا تعذر اقامة “الدولة الاسلامية.”
وكان الشيوعيون يدعون الى اقامة الدولة الشيوعية التي تحكمها البروليتاريا، الى ان تخلى غورباتشوف اخر رئيس للاتحاد السوفيتي عن الدولة الايديولوجية، و ثارت شعوب اوروبا الشرقية من اجل اقامة دولة الانسان.
ومما يلفت ان دعوة الرجلين جاءت في وقت متقارب ومتزامن!
 
يدرك الناس الان ان الايديولوجيات والاديان والافكار والدول والانظمة يجب ان تكون في خدمة الانسان، وليس العكس. وهذا مفهوم يتبناه الاسلام بكل وضوح في القرآن الكريم والاحاديث الشريفة والاحكام التفصيلية، الى حد تفضيل حياة الانسان على الاحكام الشرعية، فأجاز خرق هذه الاحكام اذا كانت حياة الانسان في خطر. “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه.” بل ان القرآن اعلنها مدوية:”ليس البر ان تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب، لكن البر……..”
 
الانسان هو القيمة المطلقة التي لا تقبل القسمة والتراجع والتنازل والمساومة، وما لم يدرك القائمون على الشؤون العامة هذه “الحقيقة” التي ترقى الى مستوى البديهيات فان الشعوب سوف تتخلى عنهم وترفضهم.
دولة الانسان هي الدولة التي تؤمن بالانسان، وتكرس طاقاتها وثرواتها وامكانياتها وخططها وبرامجها من اجل الانسان، من اجل تحسين نوعية حياته وتطويرها، بالخدمات والضروريات والكماليات، وصيانة حقوقه، وحفظ كرامته، وتوفير كل مستلزمات تقدمه وتكامله الروحي والمادي.
دولة الانسان هي الدولة التي لا تضع فوق الانسان غير الله، الذي منح بدوره الانسان الحياة والحرية والسلطة والسيادة والخلافة والخيرات ووفر له كل شيء وحمّله الامانة الكبرى.
 
والدولة التي لا تحفظ كرامة الانسان التي ثبتها له الله “وكرمنا بني ادم” فانها تسيء الى الله كما تسيء الى الانسان، وتسيء الى نفسها وتكتب على نفسها الفناء والرمي في “مزبلة التاريخ”، اذا شئنا استخدام عبارات انجلز؛ التاريخ الذي يحدثنا عن دول “سادت ثم بادت” لأنها تنكرت للانسان وحاربته واضطهدته واقامت مجدها الزائف على حساب كرامته وحقوقه وامتيازاته.
الراسخون في الاصلاح يتحدثون عن اوراق اصلاحية، جزاهم الله خيرا! لكن ما قيمة كل ما يقال، اصلحهم الله، اذا لم يكن البند الاول من هذه الاوراق هو الانسان نفسه؟! لا جدوى من الصلاة والصوم والعبادات والنسك والنذور والحج وغيرها اذا لم تصنع الانسان وتحفظه من الضياع، ومثله نقول لا قيمة لتوافق الكتل السياسية على الوزارات الامنية، والتوازن الوطني، وغير ذلك، اذا لم يتم كل هذا في اطار مصلحة الانسان التي تحفظها دولة الانسان.
الانسان خليفة الله في ارضه، فلا تبخسوه حقه!.
1