الحياة اللندنية-الثلاثاء 13/9/2011

منذ حصول التغيير في العراق على أيدي القوات الأميركية في نيسان (أبريل) 2003، وحكومة بشار الأسد في سورية تعمل جاهدة على زعزعة استقرار النظام الجديد في العراق عبر سماحها بمرور الآلاف من المسلحين والانتحاريين من ذوي الأجندات الجهادية إليه لمهاجة أهداف مدنية فيه من أسواق ومساجد وحسينيات وتجمعات بشرية.

ولطالما اشتكى المسؤولون العراقيون من الموقف الرسمي السوري ضد العراق وأبرزوا أدلتهم على أن هذه المجاميع المتطرفة تتلقّى التدريب وتسهيلات أخرى على الأراضي السورية. إضافة إلى ذلك فإن «سورية الأسد» قد وفّرت ملاذاً وحماية لكل أعداء النظام الجديد، الأعداء وليس الخصوم، بمن في ذلك الذين حملوا السلاح ضد العراقيين ومن هم مطلوبون للقضاء العراقي.
كل المسؤولين العراقيين يعلمون ذلك علم اليقين ولديهم أدلة كثيرة على أن نظام الرئيس بشار الأسد يعارض بقوة النظام الجديد في العراق ويسعى لإضعافه والإطاحة به منذ اليوم الأول لسقوط نظام صدام حسين مع عمق الخلاف التاريخي بين النظامين. والأسباب معروفة وهي أنه يخشى على نظامه من مطالبات شعبية بإصلاحات ديموقراطية مماثلة لما حصل في العراق، لأن هذه ستؤدي إلى إنهاء حكمه الذي ورثه عن أبيه.

الرئيس بشار الأسد هو أول رئيس عربي في التاريخ الحديث يرث الحكم عن أبيه، ويُعدَّل له الدستور على وجه السرعة كي يتلاءم مع سنّه. وكان سيخلفه آخرون في عالمنا العربي لولا قدوم «الربيع العربي» مبكراً بالنسبة لهم والذي أفسد على الأبناء والآباء معاً نعمة الهدوء والطمأنينة التي تمتعوا بها خلال العقود الخمسة المنصرمة.

كنا جميعاً في العراق نعلم ما تقوم به «سورية بشار الأسد» من نشاطات معادية للعراق وقد صرّح بذلك معظم المسؤولين العراقيين وحاولت الحكومات العراقية المتعاقبة منذ 2003 أن تصل إلى اتفاق مع الحكومة السورية حول وضع حد للأعمال المسلحة المنطلقة من سورية، لكنها لم تفلح وبقيت تلك الأعمال تحصد أرواح وممتلكات الأبرياء في العراق. وقد حاول رئيس الوزراء الحالي، نوري المالكي، الذي يعرف النظام السوري بكل تفاصيله الدقيقة، إذ أقام في دمشق لأكثر من عقدين، أن يقنع السوريين بدعم النظام الجديد وقام بزيارة إلى سورية وقع خلالها عقوداً للتعاون الاقتصادي كوسيلة لإغرائهم بالتخلي عن دعم المسلحين وتسهيل تدفقهم إلى العراق، لكنه أخفق وعاد بخفي حنين وأعلنها ثورة عارمة ضد «سورية الأسد» ودعا إلى تشكيل لجنة دولية للتحقيق في نشاطاتها ضد العراق. وقد طلب العراق رسمياً من الأمم المتحدة أن تُشكل لجنة تحقيق دولية للنظر في تدخلات سورية في الشأن العراقي، ولم يُلغَ هذا الطلب حتى هذه اللحظة وفق مصادر موثوقة. إلا أن الظروف المعقدة التي رافقت تشكيل حكومة المالكي الأخيرة في العام الماضي وإصراره على البقاء في السلطة على رغم عدم فوزه في الانتخابات، تطلبت «مصالحة» من نوع ما مع سورية لما لها ولحلفائها من تأثير في القرار العراقي. وذهبت إلى دمشق وفود عراقية متتابعة لإجراء تلك المصالحة وقد أفلحت في إبرام اتفاق ما مع الحكومة السورية وتبع ذلك الاتفاق كما هو المعتاد «توقيع عقود للتعاون الاقتصادي» بين البلدين، كما زارت بغداد وفود سورية على مستوى رئيس الوزراء ووزير الخاريجة لتأكيد هذه الصداقة الجديدة التي لم تُشِر من قريب أو بعيد إلى النشاطات السورية السابقة المعادية للعراق والتي ذهبت الحكومة العراقية بسببها إلى الأمم المتحدة لطلب المساعدة بعد عجزها عن التوصل إلى حل ثنائي.

لكن «الربيع العربي» جاء ليقضي على أمل بشار الأسد في البقاء في السلطة بعد أن سئم الشعب السوري الديكتاتورية والقمع وغياب الحريات وانتقال السلطة بالوراثة من الأب إلى الابن. وبدلاً من أن يؤيد قادة العراق الجدد، الذين عانوا ما عانوه من الديكتاتورية، هذا التوجه العربي نحو الديموقراطية التي يلهجون بها ليل نهار، بدأوا يشككون بثورات الشعوب العربية ويتخوفون من «سايكس – بيكو» جديد في المنطقة ويحذرون من النزعات الطائفية للمنتفضين، في وقت يصرون على التمسك بالمحاصصة الطائفية في العراق التي قادت إلى ما نراه اليوم من تعثّر في العملية السياسية وتدهور في الأمن وشيوع للفساد وتلكؤ في تشكيل الحكومة، غير المكتملة حتى بعد مرور 19 شهراً على الانتخابات العراقية.

قبل أيام أجرى تلفزيون «أي إن بي» اللبناني مقابلة مع رئيس كتلة «التحالف الوطني» في البرلمان العراقي، إبراهيم الجعفري، هاجم فيها الأنظمة العربية «الديكتاتورية» وأساليبها القمعية وركز على نزعاتها لتوريث الحكم. لكنه عندما سُئل عن سورية قال بالحرف الواحد «على الرئيس بشار الأسد أن يقود ثورة ضد الفساد»! وكأن القضية هي قضية فساد فقط وليست ديكتاتورية وقمع وغياب الحريات وأبسط الحقوق المدنية، وتناسى الجعفري أن بشار الأسد هو الرئيس العربي الوحيد، أكرر الوحيد، الذي جاء إلى الحكم عبر النظام الوراثي الذي أعابه على الآخرين الذين كانت لديهم مجرد نوايا لتكريسه في بلدانهم.

كيف يفسر نوري المالكي هذا التحول المفاجئ من اتهام الحكومة السورية بدعم الإرهاب ومطالبة الأمم المتحدة بالتدخل لدعم تلك الحكومة وتجاهل ثورة شعبها ضدها؟ وهل يعتقد أن موقفه هذا هو في مصلحة العراق؟ بل وهل يمكن أن يغير موقفه هذا من النظام السوري مجرى الأحداث؟ لقد أقام حكام العراق الجدد الدنيا وأقعدوها لدعم انتفاضة الشعب البحريني وأرسل بعضهم بواخر تحمل «مساعدات» للشعب البحريني أطلقوا عليها أسماء طائفية، لا هدف من ورائها سوى تأجيج الطائفية والإيحاء بأن هناك مشكلة طائفية في البحرين، وهم يعلمون جيداً أن الشعب البحريني ليس بحاجة إلى مساعدات من أحد ولديه مشكلة قديمة لن تحل بتدخلهم فيها.

فالطائفية التي حذر منها المالكي تتكرس عندما تتجاهل حكومته ثورة الشعب السوري من أجل الحرية والديموقراطية، وعندما تؤيد حكومة بشار الأسد التي تمارس القتل والقمع ضد شعبها منذ أربعين عاماً. مصلحة العراق تكمن في الوقوف مع الشعب السوري وباقي الشعوب العربية في ثوراتها من أجل الانعتاق وليس في مساندة رئيس زائل لا محالة أو الرضوخ لمصالح حكومات مجاورة آيلة للسقوط تحت ضربات شعوبها المطالبة بالحرية والديموقراطية.

حميد الكفائي

http://international.daralhayat.com/internationalarticle/306712