بغداد-25-11-2005-مركز الدراسات الإعلامية: ما الذي حدث خلال العامين والنصف الماضيين في وسائل الإعلام العراقية والأجنبية العاملة في بغداد؟ هل يعد حقا إعلاما ديمقراطيا مفيدا يشكل صمام الأمان ضد قيام دكتاتورية جديدة، أم انفلاتا وفوضى وصخبا ضارا يثير الفتنة والعنف ويشهر بالناس الأبرياء؟حول هذه الفرضيات دارت مناقشات الإعلاميين العراقيين في “مؤتمر الإعلام الديمقراطي” الذي عقد في بغداد يوم الخامس والعشرين من تشرين الثاني برعاية مركز الدراسات الاجتماعية والإعلامية –مدا.

وقد حضر المؤتمر ما يقارب المئة وخمسين إعلاميا وصحفيا عراقيا من مختلف أنحاء العراق وألقي فيه عدد من البحوث في هذا المجال من قبل شخصيات إعلامية وسياسية عراقية وأجنبية.بدأ المؤتمر أعماله بكلمة للسيد حميد الكفائي، رئيس مركز الدراسات الإجتماعية والإعلامية، قال فيها إن هناك ثلاث مستجدات في العراق في مجال الإعلام وهي الحرية الإعلامية، والانتشار الصحفي الواسع، والانتخابات. وأضاف “يتسائل البعض عن مصطلح “الإعلام الديمقراطي” وهل هناك ديمقراطية في الإعلام؟ بل هل هناك أيدولوجية في الإعلام المستقل؟ وجوابي على ذلك هو النفي المؤكد، فإلاعلام الحر المستقل لا يمكن أن تكون له هوية أيديولوجية وليس بالضرورة أن يلتزم بآلية ديمقراطية. لكن المقصود بالإعلام الديمقراطي هنا هو الإعلام في ظل الديمقراطية وهو الإعلام الحر المستقل”. وقال الكفائي إن مصطلح الإعلام الديمقراطي قد استخدم قبل عامين ونصف في الشهر الرابع من عام 2003 عند انعقاد مؤتمري القاهرة وأثينا حول الإعلام الحر “الذي كان لي شرف المشاركة في تنظيمهما وإدارتهما”. وأضاف أن هناك صفات يتميز بها الإعلام الديمقراطي منها إيجابية ومنها سلبية “وكل شيء نسبي وخاضع للتفسيرات المختلفة”. من المحاسن التي ذكرها أنه ينقل الحقيقة إلى الناس دون تدخل من الدولة وأنه دائما يبحث عن العيوب والأخطاء في الدولة والمجتمع كي يبرزها وليس بالضرورة أن يكون هدف الإعلامي من إبرازها هو معالجتها، بل قد يأتي ذلك كنتيجة، ولكن الكشف عنها هو الإنجاز الإعلامي “ونحن دائما نشتكي من هذه الظاهرة أن الإعلام يركز على السلبيات ويترك الإيجابيات”.  ”لكن الحقيقة هي أن الإعلام بشكل عام والإعلام الحر على وجه التحديد، يبحث عن السلبيات لأن لها سوقا وليس الهدف منها الإضرار بالآخرين أو بالدولة”.

وقال الكفائي إن الإعلامي يؤدي عمله بمهنية ولا يهمه ما يحصل نتيجة كشفه للحقيقة وقد يترتب على ذلك أضرار كبيرة للدولة وللمجتمع على الأمد القصير، لكن كشف الحقيقة يخدم المصلحة العامة على الأمد البعيد. ولا يتركز عمل الإعلامي على تعقب الأخطاء والعيوب دائما بل المهم بالنسبة للإعلامي هو عملية “الكشف عن الخبايا والإتيان بالجديد الذي يهم المتلقي”.وأضاف “غالبا ما نسمع أن “الإعلاميين يتصرفون بشكل غير مسؤول ويقومون بأعمال تضر بالمجتمع أو الأفراد أو الأحزاب أو الدولة، لأنهم يركزون على السلبيات ويغضون الطرف عن الإيجابيات الكثيرة في المجتمع”. إلا أنه من الخطأ أن نطالب الإعلامي أن يقيِّم كل هذه الأمور ثم يتوصل إلى استنتاج حول المصلحة العامة كي يسعى لخدمتها”. المطلوب من الإعلامي أن يؤدي عمله بمهنية وأن يسعى لكشف العيوب وتعقب الأخطاء والمسيئين دون أن ينظر إلى أي اعتبار آخر سوى التقيد بالقانون والتأكد من عدم الوقوع تحت طالئلته”.

جمعة الحلفي: الحيادية هي الانحياز للحقيقة!

وضرب الكفائي مثلا بالقول “لو كنت أعمل في جريدة أو إذاعة أو محطة تلفزيونية، فماذا أنقل للناس؟ هل أقول لهم إن الشوارع جميلة والسير فيها منتظم والناس ذهبت اليوم إلى أعمالها صباحا وهي مسرورة وعادت إلى منازلها متعبة لتتناول طعام الغداء وتستريح قليلا؟ …. هل سيقرأ الناس الجريدة أو يستمعون إلى الإذاعة أو يشاهدون التلفزيون الذي ينقل هذه الأخبار؟ هل سينتبه إليّ مشاهد أو مستمع أو قارئ؟ طبعا لا”.” لذلك فأنا (الإعلامي) أبحث عن الغرائب كي أكشفها للناس ويسجل لي (وليس لغيري) شرف السبق والتميز والتفرد (ومن هنا جاءت المقولة “إن رأيت كلبا يعض إنسانا فهذا ليس خبرا، لكنك إن وجدت إنسانا يعض كلبا فهذا هو الخبر”)”.
وزير الثقافة نوري الراوي دافع عن النشاط الثقافي لوزارته

واستطرد قائلا  ”أما الإعلام الموجه فهو يبحث عن إيجابيات حقيقة، أو مختلقة، للحاكم أو الممول، ويبحث عن سلبيات حقيقية أو مختلقة، لخصم  الحاكم أو الممول، وقد وآمل أن نكون قد وضعنا مثل هذا “الإعلام” وراءنا في العراق وبالاتأكيد لا نريد أن نراه مستقبلا ويجب أن نعمل ما بوسعنا نحن الإعلاميين للتحرر من “سلطة التوجيه الإعلامي سواء كانت حكومية أو حزبية أو إدارية مالية”. واختتم الكفائي حديثه بتساؤل للمشاركين في المؤتمر حول المرحلة السابقة قال فيه “دعونا نسأل أنفسنا هل تمكنت وسائل الإعلام من بلوغ الحيادية التي هي أهم أساس من أسس الاعلام الديمقراطي؟ كيف يمكن أن نبلغ الحيادية في الإعلام؟ وهل بإمكاننا حقا ان نبلغ مثل هذه الحيادية؟ أنا الآن أشاهد وسائل الإعلام وأراقبها عن كثب وأدرك تماما أن الحيادية غائبة في الكثير من التغطيات الإعلامية. نعم هناك من يريد أن يظهر نفسه على أنه حيادي من خلال استضافة هذا وذاك، لكن الحقيقة هي غير ذلك. يمكننا القول إن هناك من يتمكن من إخفاء انحيازه لأن لديه خبرة في هذا المجال، وهناك من لا يستطيع ذلك بسبب انعدام القدرة والخبرة والخلفية.

الإعلامي نافع الفرطوسي يلقي مساهمته في المؤتمر
بعد ذلك جاء دور الكاتب حسين العادلي، رئيس تحرير مجلة الشبكة التابعة لشبكة الإعلام العراقي، الذي تساءل عن مصدر الشرعية التي تستند إليها وسائل الإعلام في عملها وقال إن هذه الشرعية يجب أن تستند إلى عدة مصادر منها الشعب أو الأمة والسعي نحو بناء الإنسان. وقال إن المدارس التقليدية الثلاث وهي القومية والاشتراكية والإسلامية تنفي المواطنة عن الإنسان ولا تستطيع بهذا الفكر أن تبني دولة لكنه اعترف أن هناك تطورات بنوية تجري داخل هذه المدارس. وقد رد عليه حميد الكفائي الذي كان يدير جلسات المؤتمر بالقول “إن مصدر الشرعية التي يستند إليهال الإعلامي هو الحقيقة والحياد في نقلها وليس المصلحة العامة لأن هذه مسألة نسبية خاضعة للتفسيرات المختلفة. “الإعلامي ينظر إلى مصلحته هو والمؤسسة التي يعمل فيها وهذه المصلحة تُخدم عندما يأتي بالجديد. أما خصم الإعلامي فهو منافسه الإعلامي الآخر وهما يتسابقان من أجل أن يستفيد الآخرون من هذا التنافس كما يستفاد من أي تنافس في مجال آخر”.

رئيس تحرير مجلة الشبكة، حسين العادلي، شارك في ورقة عن الإعلام العراقي
ثم جاء بعد ذلك دور الإعلامي المعروف باسم الشيخ، رئيس تحرير صحيفة الدستور اليومية العراقية، الذي قال إن الحياد الكامل صعب التحقيق وإن الصحافة الحقيقية هي تلك التي تتبنى الرأي العام، بينما تسعى الصحافة الحزبية وصحافة الدولة إلى توجيه المتلقي باتجاه معين. وأضاف “إن مصلحة الإعلام المستقل تكمن في توخي الدقة والاتصاف بالنزاهة”. وأضاف الشيخ: “الصحافة تحتاج إلى تمويل ومصدر التمويل دائما يتحكم بسياستها، بل حتى الإعلانات تؤثر على السياسة الإعلامية لأن المسؤولين في وسيلة الإعلام المعنية سوف يراعون مزاج ومصلحة المعلنين لديهم ويسعون إلى الإبقاء عليهم. كذلك فإن الحملة الانتخابية تقدم مغريات كثيرة للإعلام وقد تؤثر على  السياسة التي تتبعها وسائل الإعلام المختلفة، “إلا أن الانتخابات موسمية وسوف تنتهي وقد تغلق الكثير من وسائل الإعلام أبوابها بعد انتهاء الانتخابات”. واختتم بالقول إن الصحافة المستقلة هي التي تخدم العملية الديمقراطية “وإن من الضروري تقديم أجور كافية للإعلاميين تسد حاجتهم وتمنعهم من السعي نحو الكسب غير المشروع”.

وعندها عقب الأستاذ حسين العادلي على حديث باسم الشيخ بالقول “إن الحيادية تعني اللاموقف والمطلوب من الصحافة أن يكون لها موقف في كل قضية”. وقد عقب حميد الكفائي على تعقيب العادلي بالقول “إن اللاموقف هو بالضبط ما هو مطلوب من وسائل الإعلام التي عليها ألا تتخذ موقفا محددا من أي قضية بل تنقل ما يجري في الواقع، فالإعلام المستقل لا يتخذ موقفا من هذا الحدث أو ذاك بل يبحث عما جرى على أرض الواقع”.
ثم تحدث وزير الثقافة الأستاذ نوري فرحان الراوي وقال إن وزارة الثقافة تسعى جاهدة لنشر المعرفة ليس فقط في بغداد بل في باقي المحافظات الأخرى وإنها افتتحت مراكز ثقافية في العديد من المحافظات وفي طريقها لفعل المزيد في محافظات أخرى. وأجاب الوزير الراوي على أسئلة الصحفيين والإعلاميين حول نشاطات وزارته في المحافظات المختلفة.

جيمز بولوك: إعلامي الحكومة لا يستطيع إخفاء عيوبها

بعد ذلك جاء دور الإعلام الأجنبي في المؤتمر وتحدث السيد جيمس بولوك، مسؤول الشؤون العامة في السفارة الأمريكية ببغداد حول مسؤوليات الإعلامي في دوائر الدولة الإعلامية والإعلامي المستقل الذي يعمل في القطاع الخاص أو خدمة البث العام. وقال إن الأول يسعى لنقل المعلومات من الحكومة إلى الإعلاميين بينما يسعى الآخر إلى نقل هذه المعلومات إلى الناس والاثنان يسعيان لخدمة الناس كل على طريقته. وقال إن العلاقة بين الإعلامي الحكومي والإعلامي المستقل يجب أن تكون علاقة تعاون وتبنى على أساس الثقة المتبادلة، وليس من الضروري أن يكون هؤلاء الإعلاميون خصوما لبعضهم البعض دائما”.كما تحدث عن الدور الأمريكي في العراق وقال إن الأمريكيين موجودون في العراق لمساعدة الشعب العراقي وإنهم مستعدون للمغادرة حينما تسنح الظروف وأعرب عن أمله أن تعود السفارة الأمريكية في العراق إلى ممارسة دورها المعتاد كسفارة  لبلادها بعد زوال الظروف الاستثنائية.

 

 

وقال إنه مستعد للقاء بالإعلاميين والمثقفين العراقيين لبحث سبل العمل من أجل مصلحة الإنسان العراقي. وأعرب عن امله في أن يتخلص العراق من كل هذه المشاكل الحالية قريبا، لكنه تمنى أيضا أن يحافظ العراقيون على النظام الديمقراطي وعلى نظام الإعلام الحر لأنه مفيد ويساعد على تطور البلد.
نزار عبد الواحد الراضي مشاركا عن صحفيي ميسان

واختتم بولوك بالقول إن الإعلامي الحكومي لا يستطيع أن يخفي عيوب الحكومة السيئة ولا يستطيع أن يحسّن من أدائها دون أن تقوم هي بذلك. وأضاف أن إخفاء المعلومات عن وسائل الإعلام لا يكون دائما في مصلحة الحكومة بل قد تستفيد الحكومة كثيرا من الكشف عن الحقائق حتى تتعامل معها على أرض الواقع، وذلك بالتأكيد يعزز من مصداقيتها لدى الناس إن هي لم تمنع عنهم المعلومات.

 

محمد الغزي من وكالة الأنباء الكويتية متحدثا إلى المؤتمر

بعد ذلك ألقيت بحوث لكل من نافع الفرطوسي، رئيس تحرير جريدة السماوة

، ونزار عبد الواحد الراضي رئيس رابطة الصحفيين في العمارة، ومحمد الغزي من وكالة الأنباء الكويتية وعلي الحسناوي رئيس تحرير جريدة الديوانية ورائد العزاوي من تلفزيون النهرين وحسين الفنهراوي رئيس تحرير صحيفة بابل وعبد الكريم الصراف رئيس تحرير صحيفة 14 تموز وآخرون.

وفي الختام ألقى الإعلامي جمعة الحلفي رئيس تحريرالصباح سابقا كلمة قال فيها إن الحيادية هي الانحياز للحقيقة، وإن هناك حيادا سلبيا وحيادا إيجابيا. وأضاف الحلفي

أن “كل الفضائيات تدعي أنها محايدة لكنها ليست كذلك فقد روج بعضها للعنف ولا أتردد في ذكر قناة الجزيرة كمثل صارخ على عدم الحيادية…. “فعندما وقع انفجار في كرادة مريم قرب السفارة الإيرانية قالت الجزيرة إنه يستهدف دورية أمريكية وإنه في شارع يؤدي إلى المنطقة الخضراء”!!!!! وفي الختام تحدث الكفائي عن مركز الدراسات الإعلامية –مدا وقال إن المركز

أسس حديثا بهدف إجراء دراسات إعلامية ودورات تدريبية للإعلاميين العراقيين وإن المركز مفتوح أمام الجميع وأن إدارته أيضا ليست حكرا على المؤسسين بل ستكون مفتوحة وبإمكان أي إعلامي أن ينتمي إلى المركز كي يحصل على الامتيازات التي يقدمها من دورات تدريبية في الداخل والخارج.

عبد الكريم الصراف من صحيفة 14 تموز البغدادية

وحضر المؤتمر عدد كبير كبير من الشخصيات السياسية والإعلامية ومن المتوقع أن يعقد المركز مؤتمرا آخر بعد الانتخابات لمناقشة سير الإعلام في ظل الحملة الانتخابية.

 

 

 

مراسل جريدة “المجتمع الديمقراطي”، جواد أبو رغيف، يجري لقاء مع رئيس اتحاد الأدباء في الديوانية كزار حنتوش

مشاركون في المؤتمر